عنون اللواء في قوات الاحتياط غاي حازوت، الذي كان في السابق قائد فرقة في القيادة الجنوبية، كتابه بـ"جيش التكنولوجيا الفائقة وجيش الفرسان: كيف تخلت إسرائيل عن جيش الميدان؟"، وتساءل فيه إذا ما كانت الدروس المستفادة ستكون كافية في حال اندلاع حرب إقليمية.
يتطرق حازوت بالوثيقة بإيجاز للفشل الاستخباراتي الذي سبق الحرب، "الحارسة من الوحدة 8200 في برج المراقبة، التي دقت ناقوس الخطر بشأن تدريبات حماس، لم تؤخذ تحذيراتها على محمل الجد، ولم يتم التعامل مع المعلومات والمشاهد التي رصدتها ووثقتها"، بل ردّت الاستخبارات العسكرية على هذه المعلومات -التي وثقتها المجندة في برج المراقبة- على أنها مناورة لأغراض الانطباع فقط.
وبالعودة إلى الماضي، يجد حازوت قاسما مشتركا بين هذا الواقع الذي سبق السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبين الموقف تجاه استعدادات مصر وسوريا لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولخص واقع الجيش وسياساته بالقول: "الغطرسة والازدراء والقول إن كل شيء سيكون على ما يرام. ومفهوم أن الطرف الآخر لا يريد الحرب".
الحرب مع حماس بدأت بهزيمة إسرائيلية
كتب حازوت أن الحرب مع حماس "بدأت بهزيمة إسرائيلية ساحقة، فقد احتل جيش أجنبي مساحة كاملة من الأرض لعدة ساعات وتغلب على القوة العسكرية التي دافعت عنها. وقتل مئات الإسرائيليين، وعذبوا، واختطفوا. لقد أصبح سكان مستوطنات غلاف غزة لاجئين في وطنهم، وانضم إليهم سكان الجليل، بعد أن تمكن حزب الله من إنشاء شريط أمني في أراضينا… انهار الجدار الحديدي وكان لا بد من إعادة بنائه".
"كيف تمكنت حماس من هزيمة فرقة من الجيش والاستيلاء على النقب الغربي؟"، لم تستوعب إسرائيل التهديد المتمثل في غزو جيوش حزب الله وحماس، وتكرار سيناريو الحرب المتعددة الساحات، بعد مرور 50 عاما على حرب عام 1973.
وأضاف لم يكن الجيش الإسرائيلي مستعدا لذلك، ولم توجه إسرائيل ضربة استباقية تزيل التهديد الذي كان يلوح في الأفق على حدودها، كما لم يكن الجيش الإسرائيلي في حالة جهوزية.
بعد أن أدرك "العدو"، بحسب ما ورد في الوثيقة، أن إسرائيل مردوعة وامتنعت عن القيام بغارات ومناورات برية في الجولات القتالية، بنى قدرة عسكرية جديدة وهي المناورة داخل الأراضي الإسرائيلية.
"خطة هجوم حماس كشفت عن فكر عسكري لامع٬ وخطة إبداعية من الخداع والمبادرة"
ومع تحول أخلاق الجيش الإسرائيلي، التي كانت تستند إلى المبادرة والهجوم والسعي إلى الاشتباك والجرأة والمكر، إلى غبار، أصبحت جميع هذه الأفكار يتبناها أعداؤنا٬ وفي تحليل عسكري بارد، كشفت خطة هجوم حماس عن فكر عسكري لامع، وخطة إبداعية من الخداع والمبادرة والهجوم والجرأة والسعي إلى الاشتباك مع إسرائيل٬ يكتب الكاتب.
ويضيف حازوت: "أدركت حماس أنها لم تكن تواجه تهديداً ملموساً. كل جولة من الحرب سمحت لحماس بتعلم قدرات الجيش الإسرائيلي ونشر قواتها بشكل أفضل للحرب الكبرى"، لذلك "تجنب الجيش الإسرائيلي لمدة عقدين من الزمان شن غارة حرب كبيرة على غزة٬ بثمن. وعندما لا يجعل الجيش الطرف الآخر ينتقل إلى الدفاع، فإن العدو سيتحول في مرحلة معينة إلى التفكير الهجومي".
وفقاً لحازوت، "في الغالب، كانت جولات القتال السابقة في غزة عمليات ردع إسرائيلية فاشلة. حيث أدركت حماس أنها لم تكن تواجه تهديداً ملموساً. وخدعت إسرائيل نفسها في ثلاث جولات من القتال لم تهاجم فيها حماس، بل كانت تفتخر بانتصاراتها على الجهاد الإسلامي والاستفراد به٬ لكن الحقيقة هي أننا سمحنا لجيشين إرهابيين بالانتشار على الحدود، مسلحين ومجهزين تجهيزاً جيداً، مع القدرة على الانتقال من الروتين إلى الطوارئ وشن هجوم في ساعات، هذا أعظم إخفاق في السابع من أكتوبر".
يقول حازوت: شرعت كتائب القسام في هجوم مفاجئ ضد أربع كتائب من الجيش الإسرائيلي٬ وذلك على الرغم من ضعفها العسكري في مواجهة إسرائيل، حيث لا تمتلك دبابات وطائرات، لكن ببضعة مئات من المقاتلين يتحركون على دراجات نارية ومركبات رباعية الدفع.
ونجحت حماس في هزيمة فرقة من الجيش الإسرائيلي كانت في وضع دفاعي. كما نجحت في إضعاف كل مزايا "أقوى جيش في الشرق الأوسط" من خلال الجمع بين استغلال عمى الاستخبارات الإسرائيلية، وتوقيت الهجوم في عطلة يهودية … وتحييد قيادة الفرقة وتدميرها٬ الأمر الذي منع التعبئة الفعالة للقوات، وحتى سلاح الجو.
ولكن الأخطر٬ أن خطة هجوم حماس كانت مبنية على حقيقة مفادها أن الجيش الإسرائيلي سيفشل في الدفاع عن مستوطنات الغلاف. ويحدد حازوت جذر الفشل بالقول: توقفت إسرائيل تدريجياً عن فرض المحيط الأمني - الشريط الضيق غرب السياج الحدودي – بعد "مسيرات العودة" التي نظمتها حماس هناك في عام 2018.
وعلى الجانب الإسرائيلي، بعد الانسحاب من غزة في عام 2005، أقام الجيش الإسرائيلي قواعد عسكرية مؤقتة، ولكن هذه القواعد أقيمت دون أي تفكير تكتيكي. وحاول جميع قادة فرقة غزة نقل قاعدة نحال عوز. ولم تكن هذه القاعدة موقعاً عسكرياً حقيقياً، لأن المنطقة عرضة لإطلاق النار من حي الشجاعية في مدينة غزة على الجانب الآخر من الحدود. وكانت تعاني من كل نقاط الضعف المحتملة التي قد تؤدي إلى الاستيلاء عليها وتدميرها من قِبَل الخصوم. على سبيل المثال، المراقبات الإناث في الجيش الإسرائيلي. ويتساءل حازوت: "لماذا تم نشر هؤلاء المجندات، اللواتي لم يكن يلقن للقتال، في القاعدة الأكثر تقدماً وتهديداً في الجيش الإسرائيلي"٬ ونحن نعرف الآن كيف انتهى الأمر بهن أسيرات لدى حماس.
ساعة الصفر.. كيف انهار السياج وتم تدمير فرقة غزة؟
يقول حازوت، عند ساعة الصفر في السابع من أكتوبر، بدأت موجة الانفجارات٬ وفي الجناح العسكري لدى حماس، صدرت الأوامر إلى المقاتلين على طول بالوصول إلى مناطق التجمع لتلقي الإحاطات وإعداد معداتهم. في الساعة 05:00 صباحاً كانت قوات النخبة لدى القسام جاهزة للانطلاق والتي تأخرت من الساعة 06:00 إلى الساعة 06:30 صباحاً.
وتحت وابل من النيران القاتلة عبر القطاع، تحركت 27 فرقة نحو السياج الحدودي٬ في غضون 12 دقيقة تغلب مقاتلو القسام على الحواجز الحديدية التي اعتقد الجيش الإسرائيلي أنها غير قابل للعبور. دمر رجال حماس على متن طائرات شراعية وفرق تعمل بطائرات بدون طيار مسلحة وسائل إسرائيل الاستخباراتية لجمع المعلومات وفجروا الأسوار واستباحوا المستوطنات الإسرائيلية.
استهدفت الموجة الأولى من الهجوم القواعد العسكرية ومقارها وتم تثبيت قوات حماس هناك بعد تدمير فرقة غزة٬ بينما أرسلت حماس مئات المسلحين الآخرين إلى المستوطنات في الجنوب وخططت لإرسال بعضهم إلى عمق إسرائيل. وفي غضون ذلك، داهمت قوات حماس 37 من مرافق الاتصالات التابعة لفرقة غزة. وأدى تدميرها إلى إعماء الفرقة وتعطيل قدراتها القيادية. ولم تتمكن مراكز القيادة والألوية التابعة للفرقة من أداء مهمتها. ولم يكن أحد يسيطر على قطاع القتال أو يتولى قيادته، الذي تحول إلى ساحة لمئات المعارك وجهاً لوجه، حيث يتمتع العدو بميزة من حيث العدد والفتك.
وتحولت القواعد العسكرية الإسرائيلية إلى فخاخ موت. حيث لم يكن لديهم قوة نيران قاتلة على الأرض، وفي بداية القتال، لم يكن لديهم قوة نيران من الجو أيضاً. وعندما وصلت الطائرات الأولى، لم يكن هناك من يوجه نيرانها، وعندما صرخ الجنود طلباً للمساعدة لم تكن هناك قوة احتياطية لمساعدتهم. ومثل سكان المستوطنات كان عليهم أن يقاتلوا بمفردهم أمام حماس.
ولم يكن لدى فرقة غزة، التي كانت ضعيفة الدفاع، والتي لم تكن لديها احتياطيات في العمق الخلفي، أي فرصة للنجاح أمام مقاتلي القسام. ويعتقد حازوت أن "الفرقة الأكثر لياقة وأفضل استعداداً في الجيش الإسرائيلي كان من المفترض أن تستوعب هجوم حماس، وتحتويه بثمن باهظ من الجنود، لكن دون أن تنهار في أي مرحلة. لكن للأسف، استعدت فرقة غزة بناءً على نوايا العدو، وليس قدراته. حيث أدركت حماس أن الفرقة التي واجهتها لم تكن مستعدة للهجوم وكانت في حالة تأهب منخفضة٬ يقول الضابط حازوت.
وعلى حدود غزة، ظهرت كل الأمراض في الجيش الإسرائيلي التي حاول التحذير منها. ثقافة مهنية وعملياتية دون المستوى، احتقار عقيدة القتال، وقادة غير مسيطرين أو يتجاهلون الجوانب القانونية للتاريخ العسكري، وثقافة لا تقدس التحسين أو التعلم من الدروس، وافتقار القادة إلى الشجاعة للتعبير عن آرائهم.
العمى الاستخباراتي.. 53 مليار دولار ضائعة
في النهاية، لم تنجح القوات البرية في مهمتها الوحيدة: الدفاع عن سكان المستوطنات والبلدات القريبة من غزة. حيث أدت سنوات من الدفاع الثابت والمهام الفاترة دون أي مبادرة إلى فقدان الحدة واليقظة. وتحولت تحولت ثقافة الاستعداد التي كانت مقدسة في جيش الدفاع الإسرائيلي إلى غبار.
ويضيف حازوت، أن "القوات البرية كان وعيها زائفاً حيال العقبات، لأن قادة الجيش الإسرائيلي لم يتعلموا من التاريخ. لقد حدث ذلك للفرنسيين في الحرب العالمية الثانية عندما تم تجاوز خط ماجينو عبر غابات آردين، وحدث للإسرائيليين في حرب "يوم الغفران" عندما انهار خط بارليف. فلماذا لم نتعلم من تجربتنا؟"
ولكن لم يكن "جيش الفرسان" (القوات البرية) وحده هو الذي انكشف ضعفه في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. فما قيمة مئات العمليات التي يشنها الجيش المتطور تكنولوجياً على بعد مئات الكيلومترات من حدود إسرائيل إذا لم نتمكن من احتواء عصابة من المسلحين على بعد متر واحد من السياج؟
الأسرى الإسرائيليين بغزة
في السنوات الأخيرة، استثمرت إسرائيل 200 مليار شيكل [53 مليار دولار] في الوحدة 8200 الاستخباراتية التي كان من المفترض أن تقدم تحذيراً، لكنها فشلت في اكتشاف توقيت هجوم منسق من قبل آلاف الأشخاص على بعد أمتار من الحدود.
وحتى الشاباك، تخلى عن هذا المجال وتحول إلى السيبرانية٬ وتمكن 1500 مسلح من مقاتلي النخبة، في الموجة الأولى من الغزو من مداهمة البلدات الإسرائيلية، ولم يكن لدى الشاباك جاسوس واحد بينهم٬ يقول حازوت.
في النهاية، تتساءل صحيفة هآرتس: "هل تكون هذه الدروس والأخطاء كافية لمواجهة تحديات أكبر٬ حرب إقليمية مع إيران أو حرب برية مع حزب الله في لبنان قد تحدث قريباً؟".