فلسطين أون لاين

​"عصام قطقط" يتذكر تفاصيل 38 عامًا في جباية الكهرباء

...
قلقيلية - مصطفى صبري

مع استخدام الكهرباء مُسبقة الدفع، فقدت وظيفة "جابي الكهرباء" أهميتها، فقد كان يقرأ قيمة العدادات القديمة داخل المنزل، ويسجلها يدويا، ثم يصدر فاتورةً على الفورة بالعدّ السابق والحالي لصاحب المنزل.

الجابي المتقاعد "عصام قطقط" (69 عاما) من مدينة قلقيلية يتحدث عن عمله في جباية الكهرباء منذ كان في السادسة عشرة من عمره، في عام 1965، وحتى تقاعده عام 2002.

500 مشترك

يقول قطقط لـ"فلسطين": "التحقت ببلدية قلقيلية عام 1965 إبان الحكم الأردني، وكان عدد اشتراكات الكهرباء 500 اشتراك فقط، فلم تكن الكهرباء تصل لكل المدينة".

ويضيف: "كنت أبدأ عملي صباحا، أجوب أزقة قلقيلية مشيًا على الأقدام، لقراءة العدّادات الخمسمائة، فأسجّل القراءات، وعند الظهيرة أعود إلى مقر البلدية لكي أنقل القراءات الى سجل آخر، فلم نكن نستخدم الحاسوب، بل كانت كل الأعمال يدوية، من بداية القراءة للعداد ثم عملية النقل إلى السجلات الرسمية، وهي عملية مرهقة، إلا أن قلة عدد المشتركين كانت تساعدنا في السيطرة على القراءات اليومية وتسجيلها بسرعة دون تأخير".

وتابع: "كان الجابي يصدر الفاتورة للمستهلك عند القراءة الحالية للعداد، ويتم حساب كمية الاستهلاك أمام المستهلك حسب الفئات وتسعيرة كل فئة".

أوقات محددة

ويوضح قطقط: "كان لعملية العدّ طقوس معينة، وأول هذه الطقوس أننا لم نكن ننطلق مبكرا جدا، حتى نترك للعائلات التي نقص بيوتها متسعا من الوقت لبدء يومهم، كتنظيف البيت وتجهيز الأبناء للتوجه إلى المدارس، فتوجهنا للبيوت مبكرا يربك أهلها، خاصة أن عدادات الكهرباء كانت موجودة في غرف النوم، ولنتمكن من قراءتها، كُنّا نضطر للصعود إليها بواسطة كرسي أو سلم".

ويبيّن: "بعد الساعة الثامنة والنصف ننطلق من مقر البلدية وعند الظهيرة نعود، لأننا لا نستطيع قراءة العدادات بينما العائلة مشغولة بإعداد وجبة الغداء، أو في استراحة القيلولة، فمعظم أهالي قلقيلية يعملون بالزراعة، ويعودون من بيّاراتهم للراحة ظهرا، وبالتالي فإن طرق الأبواب في وقت الظهيرة يسبب إحراجا لنا ولهم".

قراءة عداد الكهرباء عمليةٌ ترتبط بالموسم الزراعي أحيانان بحسب الحاج قطقط، إذ يقول: "في موسم الجوافة، حيث كان أهل قلقيلية ينشغلون بقطف الثمار ولا يعودون إلى بيوتهم إلا في أوقات المساء، لم نكن نتمكن من قراءة عدادات الكهرباء، فكنا نضع عليها إشارة كرمزٍ يدلّ على عدم إجراء عملية العد، وتأجيلها إلى الشهر التالي، ويتم دمج العد الأول والثاني معا، وفي بعض الاحيان يتأخر العد إلى ثلاث قراءات، فقلقيلية منطقة زراعية والأهالي ينشغلون في مواسم قطف الثمار".

100 %

ويقول: "عندما تقاعدت، كان عدد المشتركين في قلقيلية قد وصل إلى 8500 مشترك، أي بزيادة 8000 مشترك بين بداية الخدمة في العمل التقاعد منه، واليوم وصل العدد إلى 17 ألف مشترك تقريبا، واشتراكات الكهرباء تغطي المنازل بنسبة 100%".

ويتذكّر حال الجباية في حرب 1967، حين تم تهجير الأهل إلى القرى المجاورة ومدينة نابلس ومخيماتها: "وقعت الحرب بعد عامين تقريبا من عملي في جباية الكهرباء، حينها هجّرَنا الاحتلال من المدينة تحت القصف والتهديد بالقتل، ثم عُدنا إليها، نحن موظفي البلدية، قبل الأهالي، كي نقوم بتجهيز الخدمات للمواطنين قبل عودتهم، وكنا في قسم الكهرباء نواصل الليل بالنهار لإصلاح العدادات وتركيب أخرى، ومد خطوط الكهرباء الرئيسية، فالأعمال كانت قاسية ومتواصلة، خاصة أننا كنا نعمل بينما جنود الاحتلال يتحركون حولنا، إلى أن أنجزنا المهمة في أقصر وقت ممكن".

ويؤكد قطقط: "عدادات الكهرباء مسبقة الدفع من أهم الوسائل التي تدعم البلديات، كونها تحافظ على عملية الدفع المنتظم، فكل البلديات كانت تعاني من عدم دفع فاتورة الكهرباء، واليوم هذه العدادات أصبحت مصدرا مهما لدخل للبلديات، وتجبر كل مشترك كهرباء على دفع الثمن قبل استهلاك الكمية، مع خصم الديون السابقة.

"وعلى أهميتها، إلا أنها ألغت وظيفة الجابي التي شغلتها لمدة 38 عاما".. هكذا يختم الحاج قطقط حديثه ساخرا..