رومانيا والتشيك كانتا من الدول التي امتنعت عن التصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برفض تغيير وضع القدس المحتلة، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من الشهر الجاري، اعتبار المدينة "عاصمة" للكيان الإسرائيلي، وسط حديث متكرر عن دراسة هاتين الدولتين نقل سفارتيهما إلى القدس، اقتداء بقرار واشنطن.
وأعلنت جمهورية التشيك الشهر الجاري، أنها تعترف بغربي القدس كـ"عاصمة" للكيان الإسرائيلي، مشيرة إلى أن نقل سفارتها إلى المدينة "سيحصل بالاستناد إلى نتائج مفاوضات تجريها مع شركاء رئيسيين بالمنطقة والعالم"، بينما قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، أمس، إن رئيس البرلمان الروماني ليفيو دراغنا، صرّح مؤخرا بالقول "أعتقد أنه يجب أن نتخذ من الولايات المتحدة مثالا، وننقل سفارتنا في (إسرائيل)".
وتعقيبا على ذلك يقول رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا، حافظ الكرمي، إن الصحافة العبرية تحاول إيجاد بعض الاختراق في المجتمع الدولي، بعدما وجدت الحائط مغلقا في الأمم المتحدة.
وفيما يضيف الكرمي لصحيفة "فلسطين"، أن امتناع رومانيا والتشيك عن التصويت لصالح قرار القدس في الأمم المتحدة، يوضح أن للاتحاد الأوروبي موقفا واضحا هو عدم الاعتراف بالقدس "عاصمة" لدولة الاحتلال وعدم نقل السفارات.
ويلفت إلى أن رومانيا والتشيك تذرعتا بأن قرار القدس في الأمم المتحدة "يعرقل" عملية التسوية، مؤكدا أن هاتين الدولتين "يحكمها بشكل كبير جناح يميني متطرف تطرفا شديدا ويتلقى المساعدات المباشرة من الولايات المتحدة".
وعما إذا كانت بوخارست وبراغ ستنقلان سفارتيهما، يجيب: "لا أعتقد أن هذه الخطوة يمكن أن تتم على الأقل في الأمد المنظور، إذ إنها مخالفة لسياق الاتحاد الأوروبي الذي لن يسمح لهما بفعل ذلك"، مشيرا إلى أن من المفترض أن للاتحاد الأوروبي سياسة خارجية موحدة، ضد نقل السفارات وضد الاعتراف بالمدينة المقدسة "عاصمة" لكيان الاحتلال.
وبشأن الموقف الغربي عموما، يقول الكرمي إنه ليس مع القضية الفلسطينية، لكنه حريص على ما يسمى "حل الدولتين" الذي استثمرت فيه أوروبا بعشرات مليارات الدولارات، وهو الحل المتوافق عليه دوليا بالنسبة لهم.
ويرى أن قرار ترامب سبب نوعا من "الصدمة" للعالم، مردفا بأن ردود الفعل الدولية والأممية والشعبية كانت أنه لا حل إلا باتفاق حول هذه القضايا ومنها قضية القدس.
ويعتقد الكرمي، أن القرار الأمريكي "سرع في حسم مواقف الدول التي كانت تستثمر فيما يسمى عملية التسوية"، مبينا أن هذه الدول حريصة على مصالحها، وعلى "القانون الدولي" الذي إنْ تم خرقه هذه المرة بهذه "الفجاجة" الأمريكية، فإن العالم سيعيش مرحلة كبيرة من التيه وشريعة الغاب.
ويجيب الكرمي عن سؤال: هل سيبقى موقف الولايات المتحدة معزولا؟ بقوله إن هذا يعتمد على أمرين أولهما مدى صلابة الموقف الفلسطيني بشكل أساسي فضلا عن الموقف العربي والإسلامي، وما إذا كانت السلطة ستصر على مقاطعة الإدارة الأمريكية وما يسمى التسوية، التي كانت "تضلل الشعب الفلسطيني لـ25 سنة".
ويوضح أنه إذا استجابت السلطة للأمريكان واللقاء معهم بالرغم مما فعلوه، فإن الدول الأخرى لن تكون ملكية أكثر من الملك، لكن إذا تمسكت الأولى بعدم بحث أي مشروع تسوية مع الإدارة الأمريكية إلا بإلغاء قرار الأخيرة بشأن القدس، فإنه لن يكون سهلا على الدول الغربية أن تسير خلف أمريكا.
"شديدة الانحياز"
من جهته، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية حسام شاكر، إن الحديث يدور هنا حول بلدان تقع في وسط أوروبا وشرقها، وليست بلدان أوروبا الغربية، مبينا أن لهذه الدول خصوصية تتمثل في أنها أقرب للولايات المتحدة في سياستها الخارجية منها إلى أوروبا الغربية.
ويضيف شاكر لصحيفة "فلسطين"، أن هذه الدول عمليا شديدة الانحياز للسياسات الإسرائيلية، وهو ما يعبر عنه الموقف التشيكي بشكل عام، الذي كان واضحا في مراحل عدوان الاحتلال على قطاع غزة، وفي التعدي على حقوق اللاجئين الفلسطينيين عبر دعوة مسؤولين كبار في التشيك، الاحتلال، إلى إنهاء حقوق اللاجئين.
ويتابع: "هذه الدول بعد التحول الذي شهدته عن الاشتراكية أصبحت عمليا قريبة جدا من السياسات الأمريكية ومتماهية إلى حد كبير مع السياسات الإسرائيلية بدرجات متفاوتة فيما بينها".
ويشير شاكر، إلى أن دول كالتشيك والمجر تماسكت بصعوبة مع الموقف الأوروبي الجامع الذي يرفض الانجرار خلف قرار ترامب بشأن القدس.
ومع ذلك، يوضح شاكر أن موقف هذه الدول كالتشيك ورومانيا، منع صدور بيان أوروبي موحد بعد إعلان ترامب، لكنها تماسكت "لفظيا" مع السياسة الخارجية الأوروبية.
ويرى أنه "مع الوقت فإن بعض هذه الدول ستكون بمثابة حصان طروادة لتفكيك الجبهة الأوروبية المضادة للموقف الأمريكي".
ويؤكد في الوقت نفسه، أن الاتجاه السائد عالميا بشكل عام هو عزل الموقف الأمريكي، متسائلا عما إذا كانت دول كرومانيا والتشيك ستلتزم بالموقف الأوروبي الجامع أم ستنسل منه لاسيما أنها واقعة في نطاق ضغوط أمريكية.
ورغم الضغوط الأمريكية غير المسبوقة من ترامب، ومندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، فإن القرار الأممي بشأن القدس المحتلة، صوتت لصالحه في 21 من الشهر الجاري، 128 دولة من مجموع 193 في الجمعية العامة، في حين صوتت تسع دول ضده بينها الولايات المتحدة وكيان الاحتلال، وتحفظت 35 دولة وغابت 21 أخرى عن الاجتماع.