لفلسطينيي الداخل المحتل دور كبير في دعم صمود المقدسيين في أرضهم، فهم لا يتوقفون عن تسيير الحافلات والقوافل لمدينة القدس المحتلة لدعمها معنوياً واقتصادياً، ليوجهوا رسالة للاحتلال مفادها أن كل الفلسطينيين يساندون قضية القدس، أيًا كان محلّ إقامتهم.
"مسيرة البيارق"، مشروعٌ بدأته "مؤسسة البيارق لإحياء المسجد الأقصى المبارك"، عام 2001، لنقل المصلين من الداخل المحتل إلى المسجد الأقصى، يوميا، وقبل سنتين تقريبا، حظر الاحتلال الحركة الإسلامية في الداخل، وحظر معها العديد من المؤسسات، مما أدى إلى توقف "مسيرة البيارق"، لكن ذلك لم يمنع فلسطينيي الداخل من مواصلة دعمهم للمدينة المقدسة، فهم ما يزالون يتوجهون إلى الأقصى يوميا، ويكثفون نشاطهم في الأوقات العصيبة على القدس، كالأوقات التي تعيشها حاليا بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بها عاصمة لـ"إسرائيل".
قوافل جديدة
عضو لجنة المتابعة العليا لأهالي الداخل الفلسطيني توفيق محمد، قال: "صحيحٌ أن مسيرة البيارق قد قُطعت بسبب حظر الاحتلال للحركة الإسلامية والكثير من المؤسسات الداعمة للقدس، لكن الحب لأهل القدس والترابط معهم لم ينقطع".
وأضاف لـ"فلسطين": "ما نزال نُسيّر الحافلات، ونتواصل مع القدس عبر قافلات تُنظّم بشكل يومي في بعض الأحيان، كما أن الحافلات التي تتجه إليها تفوق عدد الحافلات التي كانت تُسيّر ضمن مسيرات البيارق".
وتابع: "حب أهل الداخل الفلسطيني للأقصى وللمدينة القدس ليس محصورا في إطار أو مسمى، سواء بمسيرة البيارق أو الحركة الإسلامية، وإن حُظر هؤلاء فإن إيمان الناس لم يُحظر، ولا يستطيع أحد أن يحظر تفاعل شعب عن قضيته".
وأوضح أن أهل الشمال المحتل يتواصلون أهالي القدس، ويزورون أسواقها، ولا شك أن تواصلهم يشكّل دعمًا للمقدسيين، على صعيدين، الأول معنوي، يحمل رسالة من أهل الشمال للمقدسيين، مفادها أنكم لستم وحدكم، بل نحن شعب واحد وقضيتنا واحدة".
وأما الصعيد الآخر للدعم، بحسب محمد، فهو الدعم المالي، من خلال مرور أهل الشمال عبر أسواق القدس، والشراء من دكاكينها، وفي ذلك مساهمة في تثبيت التاجر المقدسي في سوقه، ودعم اقتصادي لأهل المدينة بشكل عام".
ولا يتوقف الدور عند الحافلات المتجهة من الداخل إلى القدس، ففي أعقاب إعلان "ترامب"، اجتمعت لجنة المتابعة العليا لأهل الداخل الفلسطيني (وهي لجان مشكلة من كل الأطياف السياسية في الداخل) واتخذت العديد من الإجراءات، آخرها كان مسيرة شارك فيها قرابة 15 ألف مواطن من جميع مدن وقرى الداخل الفلسطيني، بحسب محمد.
وقال إن لجنة المتابعة العليا بادرت لعقد اجتماع في أعقاب القرار مع المرجعيات الدينية والوطنية في مدينة القدس وأصدرت بيانً مشترك، وتم الاتفاق على إجراءات احتجاجية في إطار ما تسمح به قوانين الاحتلال.
وأضاف: "هناك دعم سياسي وإعلامي معنوي وتجاري لأهالي القدس، فنحن قضية واحدة، لسنا شعبين، القضية التي تخص القدس تخص الداخل وغزة والضفة وفلسطينيي الشتات".
وتابع محمد: "الدعم يشكّل تشجيعا معنويا كبيرا لأهل القدس، وأساساً لصمودهم أمام سياسيات الاحتلال، فعندما يرى المقدسي أنه ليس بمفرده في الميدان وأن كل أبناء شعبه يحلقون حول القضية، يزيد ثباته وصموده في المدينة، ويعطي كل ما يملك من أجل الدفاع عن الأرض والمقدسات".
الهوية المقدسية
أما المحلل في الشئون الإسرائيلية صالح لطفي، فقال: "شد الرحال للمسجد الأقصى المبارك لم يتوقف، حتى بعد حظر الحركة الإسلامية والعديد من المؤسسات الداعمة للقدس، فمئات المواطنين يسيّرون حافلات للمسجد الأقصى، وأعدادها في ازدياد مستمر لأن المسجد الأقصى ركيزة دينية ووطنية وعقدية".
وأضاف لـ"فلسطين": "عندما يدخل الأقصى آلاف المصلين في الأيام العادية، وعشرات الألاف في أيام الجمعة، فهذا بحد ذاته يشكل رافعة بناء اقتصادي".
وتابع: "خلال سنوات شد الرحال من عام 1993، إلى يومنا هذا، أدرك المقدسي أهمية الأقصى بعد أن تعرض لعملية تغييب مسيس، كما أنه أدرك قيمته كهوية، وهذا ما كان سببا رئيسا في نجاح المقدسيين في تحدي البوابات الإلكترونية في يوليو/ تموز الماضي".
وأوضح لطفي: "كما أن تعزيز دور الداخل في شد الرحال للمدينة المقدسة، خلق حالة اجتماعية كبيرة في وجود قرابة بين المقدسيين وأهل الشمال، وهذا ما حدث عن طريق المصاهرة مع أهل القدس، وأصبح للعلاقة المصاهرة هذه دور في تقريب المسافات، وكأن الأقصى تحول إلى أيقونة تربط القدس بالداخل".