فلسطين أون لاين

​بعد قرار ترامب.. كبار المدينة مصممون على البقاء

...
القدس المحتلة / غزة - نسمة حمتو

لطالما كان لعلاقة كبار السن بأرضهم نكهة مميزة، فهم عاشوا فيها زمنًا أطول من غيرهم، وذكرياتهم فيها أكثر، وكذلك الحال بالنسبة لجيل القدامى في مدينة القدس، خاصة أنهم ينتمون لأرض مقدّسة تعاني الويلات.

الكبار في "زهرة المدائن" لا يزالون يذكرون كل لحظة تاريخية مرّت على مدينتهم، يذكرون لحظات الحصار، والتهجير، يذكرون تكاتفهم وصمودهم في وجه اعتداءات الاحتلال، وها هم اليوم يعايشون الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال.

التكبير سلاح

الستينية "أم إيهاب الجلاد"، قالت: "نحن جزء من القدس، ولدنا فيها، وعلى أرضها عشنا طفولتنا وشيخوختنا، ومن قبلنا عاش فيها آباؤنا وأجدادنا، وهي تسري في دمنا وجزء من عقيدتنا".

وأضافت لـ"فلسطين": "هذه أرض وقف إسلامي لا يمكن أن نهبها لأحد، هي ليست ملكا للأمريكيين كي يجعلوها عاصمة لـ(إسرائيل)، ناضلنا مراراً وتكراراً من أجلها، ومن قبل مُنعت من دخول القدس، واعتقلت مرتين في أثناء وجودي فيها، كان أول اعتقال لي بتهمة المرابطة والانتماء للحركة الإسلامية".

وتابعت قولها: "نحن لا نملك شيئا سوى قول كلمة الله أكبر التي تستفز الاحتلال، عندما نرى أي مستوطن نرددها".

الاعتراف الأمريكي واحد من مصاعب كثيرة مرّت بها القدس، وعايشتها "أم إيهاب"، فهي عايشت حرب 1967 ورأت جثث الشهداء على الأرض.

ومن ذكرياتها عن حرب 1967: "حاصرنا الاحتلال من قبل داخل المدينة، وشرّد الكثير من العائلات، واختبأنا في مخزن تحت الأرض، وعندما انتهت الحرب خرجت مع والدي لأرى الجثث ملقاة على الأرض، وأجساد الشهداء منتفخة لأنها تركت ما يزيد على سبعة أيام تحت الشمس".

وأكّدت: "رغم كل ذلك، لطالما كنا، نحن المقدسيين، يدًا واحدة في مقاومة الاحتلال، ولا أزال أرابط في القدس، ولن أتخلى عن انتمائي لها رغم كل الصعوبات، وهكذا هو قرار ترامب رغم قسوته، إلا أنه سيوحد المسلمين والعرب، فربّ ضارة نافعة".

كل ما تتمناه أم إيهاب أن يعي الناس خطورة الأوضاع التي تمر بها مدينة القدس في هذه المرحلة وأن يتكاتفوا جميعاً للوقوف في وجه الإدارة الأمريكية وقراراتها.

البقاء في القدس

الإرادة ذاتها التي حملتها الجلاد، تحملها أم سمير المغربي (70 عامًا)، فهي الأخرى قضت سنوات طويلة في حصار فرضته قوات الاحتلال على مدينة القدس قبل 50 عاما.

قالت المغربي عن الظروف الصعبة التي عاشتها أيام طفولتها وشبابها: "كنت أسكن في حي المغاربة في مدينة القدس، وهذا الحي الذي كان عامرًا بالناس منذ أكثر من 800 سنة، لم يتبقَ منه أحد في حرب 1967، إذ شرّد الاحتلال جميع سكانه".

وأضافت لـ"فلسطين": "أعيش في حي المغاربة مع عشر عائلات فقط، ونحن رغم كل الصعوبات التي نواجهها، ورغم قوة السلاح والتهديدات التي نتعرض لها، فإننا لن نخرج من مدينتنا، فالبقاء في هذه المدينة هو الأهم".

وتابعت: "أمريكا خاضت حروبا ضد عدة دول لكي تحافظ على بقاء (إسرائيل)، ولكن رغم كل هذا يكفي إلا أننا ما زلنا موجودين في منازلنا".

شيخ المبعدين

ومن خارج القدس، تحدّثت "فلسطين" مع الفلسطيني طه شواهنة (71 عاما) من مدينة سخنين في شمال فلسطين المحتلة، التي تبعد عن القدس ما يزيد على 200 كيلو متر، وزمن الانتقال منها للقدس يزيد على ثلاث ساعات للوصول، ورغم كل هذا يحرص على الاستيقاظ في ساعات الفجر كي يصل إليها في الوقت المناسب، فقد أحب المدينة العتيقة بكل جوارحه.

قال شواهنة عن ذكرياته مع القدس: "كنت أذهب في حافلات (مسيرة البيارق) والتي كانت تخرج من المناطق المحتلة للرباط في المسجد الأقصى، وهذه الباصات كانت تسيرها الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح".

وأضاف: "كانت عشرات الحافلات تحمل آلاف الفلسطينيين من الداخل المحتل إلى القدس، فيزورن المحلات التجارية ويتجولون في البلدات القديمة، ويتناولون الطعام في مطاعم المدينة، من أجل إحيائها".

وتابع شواهنة، الذي شارك من قبل في ترميم المصلى المرواني في الأقصى: "كنت حريصًا على الرباط في الأقصى رغم بعد المسافة، وكنت أصر على التواجد يوميا في المسجد الأقصى للتصدي للمستوطنين وتحديهم، وكنت أقضي ما يزيد على ثلاث ساعات صباحًا للوصول للقدس، ومثلها مساءً للعودة إلى بيتي".

وواصل: "أطلق عليّ المقدسيون اسم شيخ المبعدين، لكثرة إبعادي عن مدينة القدس، وعودتي للصلاة فيها بعد كل إبعاد"، مشيرا إلى أنه في إحدى مرّات الإبعاد، وضع الاحتلال اسمه، مع أكثر من 50 مرابطة في "القائمة السوداء" ومنعوهم من دخول الأقصى.

لم يتوقف شواهنة عن المشاركة في كافة الفعاليات الوطنية والإسلامية التي تُقام في مدينة القدس.

أما عن رأيه في قرار الرئيس الأمريكي، قال بصرامة: "لا قيمة لهذا القرار، سنبقى صامدين مقاومين رغما عن ترامب".