بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة للاحتلال، بات الحديث عن معركة "الرواية" أمرًا مُلِحًّا، في ظل امتلاك الفلسطينيين ركن الحق التاريخي المكفول بالأعراف والمواثيق الدولية لتفريغ القرار الأمريكي من مضمونه، ليكون التساؤل هنا حول المسارات التي يجب أن يسلكها الفلسطينيون في هذه الحرب، باعتبار أنهم أصحاب الأرض وأن ما قامت به الولايات المتحدة "جريمة" ضد القوانين الدولية وتعدٍ على الحقائق التاريخية والجغرافية والدينية.
ولا شك أن الرواية الفلسطينية، وفق باحثين مقدسيين تحدثوا لـ"فلسطين"، هي التي كسبت تأييد شعوب العالم، وهو ما أظهره الحراك الدولي المتعاطف مع القضية الفلسطينية ضد القرار الأمريكي، فيما يظهر الاحتلال "مفلسًا" في حرب الرواية أمام التاريخ والجغرافيا وكتب العلوم والآثار التي تؤكد أن القدس إرث عربي إسلامي فلسطيني لا نقاش فيه ولا جدال، ما يتطلب دورًا فلسطينًا كبيرًا في تصعيد المواجهة مع الاحتلال على مسارات مختلفة لإظهار أنه أصبح ضعيفًا بالاعتراف الأمريكي الذي لن يغير من الحقيقة شيئًا.
رواية واضحة
"لا يمكن لأحد أن ينكر رواية أن القدس إرث عربي إسلامي فلسطيني أو أن يدّعي ضعفها، ومهما استخدم الاحتلال من قوة فهو لن يستطيع إبادة الشعب الفلسطيني، ومهما حاول تهويد القدس، لن يتمكن من حسم المعركة لأن الشعب الفلسطيني وصل من الوعي والثبات لما يؤهله لمواجهة الاحتلال، لكنه بحاجة لإجبار القيادة الفلسطينية على التوحد تحت إرادة الشعب".. بهذا افتتح الباحث في شؤون القدس ناصر الهدمي حديثه لـ"فلسطين".
ويقول: "في هذا العالم الظالم المبني على المصالح في الوقت الحاضر، موضوع الرواية لا يشكل المحور الأساسي في إثبات الحق، لأن الاحتلال يستخدم السلاح في فرض القوة".
وبالعودة للتاريخ كما يضيف: "لو نظرنا للتقارير الإسرائيلية التي حاولت تزييف الحقائق وإظهار وجود صلة لليهود بفلسطين، لوجدناها تخالف المنطق والعقل وبها الكثير من الثغرات التي نستطيع تكذيبها بسهولة، فالاحتلال على مدار 50 عاما، ومن خلال الحفريات أسفل الأقصى، حاول صناعة رواية تاريخية بوجود ما يسمى (جبل الهيكل) ولكنه لم يستطِع تثبيتها، وفشل في ذلك".
كما فشل الاحتلال، حسبما يؤكد الباحث المقدسي، طيلة السنوات السابقة في اختراع رواية تقنع الباحثين أن لليهود صلة في فلسطين، فلجأ إلى الضغط على "ترامب" للاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، محاولًا بذلك استدعاء المزيد من القوة، ومحاولا فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين واستكمال مخططات تهويد القدس وتهجير أهلها منها.
ويبيّن: "الفلسطينيون يمتلكون الحقيقة التاريخية المعترف بها في المواثيق والأعراف الدولية"، مشيرا إلى "قرارات عصبة الأمم عام 1930م، وقرارات الأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) التي تؤكد أن لا صلة لليهود بالقدس، وهذا يعني أن القرار الأمريكي مخالف للمواثيق الدولية".
موّحدة
لكن ما يعتمده الاحتلال، والكلام للهدمي، هو القوة، "باعتبار أننا ليوم نعيش في عالم المصالح السياسية، إذ إنه قبل عام 1917 كان العالم يعي أن اليهود موجودون في أوروبا، وليس لهم أي صلة بفلسطين، وأرسلتهم الدول الغربية لفلسطين للتخلص منهم".
إلا أنه يذكر أن القوة بيد الشعب الفلسطيني من خلال وجوده على أرضه، وروايته التاريخية بأن العرب هم من أسس القدس، مشددا على ضرورة الاتفاق فلسطينيا على استراتيجية واحدة في مواجهة الاحتلال.
ويوضح: "قرار ترامب مثّل صفعة قوية لمسار التسوية والحل السلمي والتفاوضي مع الاحتلال، الذي رعته أمريكا"، مرجحا: "لو أجريت انتخابات فلسطينية عامة، فإن الشارع الفلسطيني سيختار نهج المقاومة رغم صعوبة هذا الطريق، لأنه الحل الجذري للقضية الفلسطينية".
ويؤكد ضرورة المحافظة على رواية فلسطينية موحدة متفق عليها من كافة قطاعات الشعب، لمواجهة أي فئة أو شعب من شعوب العالم متردد أو لم تصله الحقيقة كاملة عما يدور في فلسطين، مستدركا: "لا يحتاج الشعب الفلسطيني لقرارات دولية لإثبات حقه، لأن القرارات كثيرة والاحتلال ضرب بها بعرض الحائط، إذ كان عليه تنفيذها ولكنه لم يفعل ذلك".
ويشير الهدمي إلى أن "قبل 100 عام لم يكن هناك أي يهودي بفلسطين، حتى قرار تقسيم فلسطين (181) الذي صدر عام 1947، تحدث تقسيم أرض فلسطين، وفي ذلك اعتراف ضمني بأن الأرض تاريخيا للفلسطينيين، والكل يعترف بذلك، وهناك ثوابت ومواد وشواهد ملوسة بأننا نحن الفلسطينيين نحافظ على تاريخ القدس وعروبتها وإسلاميتها".
الوجود في القدس
ويتفق الباحث المقدسي زياد الحموري مع سابقه، إذ يؤكد أهمية المحافظة على الوجود الفلسطيني في القدس، في ظل محاولات الاحتلال الإسرائيلي لفرض السيطرة الكاملة على المدينة من خلال مخططات التهجير والهدم والتهويد، ضاربا بعرض الحائط لكل القرارات الدولية التي تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني لكونها تؤكد عدم وجود علاقة للاحتلال بالقدس.
ويقول الحموري لـ"فلسطين": إن "المعادلة الأهم اليوم هي وجود الشعب الفلسطيني، فاليوم العالم أقرب لتصديق الرواية الفلسطينية على كافة المستويات، كما أن التوجهات الدولية الرسمية تقف ضد التوجه الأمريكي بخصوص القدس، وينبغي على الفلسطينيين استثمار ذلك".