"نحن عشاق البارود وباسمك يا وطن نعلي الراس، دونها يا رصاص، دونها واكتب للأسود نحن بالدم نجود"، تلك الكلمات هي آخر ما خطه الشهيد محمود المصري على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، مؤكدًا أنه سيموت واقفا ولن يركع "فلو متنا عشاق شهادة مثل الشجر بأرض بلادي نموت ونحن واقفون".
مضت ليلة الجمعة ثقيلة جداً على محمود (28 عاماً)، فلم يذق للنوم طعماً حائرًا ينتفض قلبه وجسده حزنًا على حال المدينة المقدسة، ليستل قراره بالالتحام في المواجهات الشعبية نصرة لعاصمة فلسطين الأبدية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاصمة لـ(إسرائيل)، تقول والدته والدمع يملأ عينيها.
وتضيف أن محمود (28 عاماً) والذي لطالما تمنى الشهادة، توجه مع ساعات الصباح الأولى إلى السياج الأمني الفاصل بين مدينة خانيونس شرقاً والأراضي المحتلة عام 48.
ولا تخفي الأم المكلومة حزنها على قطعة من روحها غادرتها مبكراً، لكنها تؤمن بأن بيت المقدس يستحق أن يراق من أجله الدم ويفنى الولد في سبيله، قائلة "هنيئا لابني محمود شهادته، فالقدس ترخص لها الأنفس، فإن مات كل رجال الشعب الفلسطيني سنتبعه نحن النساء وسيهون كل شيء من أجلها".
وتتم حديثها المقتضب لـ"فلسطين": "القدس لنا ولنا فقط وسنحررها بإذن الله، ولو استشهد كل أولادنا، سنحررها بدمائنا، ففلسطين ولادة ومن استشهد سيأتي مكانه الآلاف"، لافتة إلى أن شهادة ابنها كانت بمثابة أمنية كبيرة لديه.
يقول ابن عم الشهيد ورفيق دربه، "بلال" إن محمود لم يكن شابًا عاديًا، إذ حمل دوماً ومنذ حداثة أسنانه قلبًا نابضًا بحب الوطن وفدائه، ولم تكن مشاركته في مواجهات "جمعة الغضب للقدس" هي المرة الأولى، فقد سبق أن أصيب في بداية انتفاضة القدس التي انطلقت شرارتها في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015، وليرتقي شهيداً بنفس المكان في 11 من ديسمبر 2017 برصاص جنود الاحتلال.
ويلفت إلى أن رفيقه لم يأبه لبعد المسافة بين بيته وبين السياج الأمني الشرقي إذ تفصلهما نحو ستة كيلومترات.
وكان الشهيد محمود كما يقول "بلال" والذي يسكن معه في نفس البناية السكنية "بسيطًا"، خرج من الحياة الدراسية في المرحلة الإعدادية، ليساعد والده في تلبية متطلبات الأسرة بعد أُوقف عن عمله في الأراضي المحتلة إبان انتفاضة الأقصى عام 2000، كما بقية آلاف عمال قطاع غزة الذين منعوا من العمل في الأراضي المحتلة.
ويشير إلى أن عدم استكمال محمود لدراسته لم يحل دون ارتباطه ارتباطا وثيقا بقضايا الوطن، إلى جانب تمتعه بشهامة ونخوة منقطعة النظير، فلم يصمت مطلقا على ظلم يراه أمام عينيه سواء كان في بيت العائلة الصغير أو حتى خارجه، وكل من عاشره أو جالسه وحادثه عايش أو لمس ذلك في شخصيته.
ويضيف:" كنت سمعت الخبر عبر التلفاز، بأن هناك شهيدا اسمه محمود المصري، إلا أنه وفي وقرارة نفسي كنت على يقين تام أنه ابن عمي ومن دون أن يكون هناك تفصيل وتوضيح من قبل المحطات التلفازية عن اسم والده".
ويختم حديثه بأن الشخصية التي تمتع بها محمود لم تكن لتفيض إلا في سبيل قضية سامية مسجلاً اسمها في لوحة فخار الدفاع عن القدس.