فلسطين أون لاين

​"تجوال سفر".. شبابٌ يجوبون الأرض ليمتلكوها

...
غ

للتعرف إلى طابع المدن الفلسطينية والقرى القديمة وسكانها، نشأت مجموعة شبابية فلسطينية في مدن الضفة الغربية والقدس المحتلة والداخل المحتل، مهمتها تنظيم جولات سفر إلى عدد من القرى الفلسطينية؛ بهدف المشاركة في نشر ثقافات وعادات هذه القرى، يزور المشاركون مناطق مختلفة تحت شعار "تجوّل في الأرض تمتلكها"؛ ذلك لأن امتلاك أرض محتلة وتثبيت هويتها، لا يكون إلا بمعرفة أصحابها لها..

سفر لا سياحة

"تجوال سفر" هي مجموعة شباب فلسطينيين ينظمون رحلات مرة أو اثنتين شهريًا، حيث يتوجهون إلى إحدى قرى أو مدن فلسطين، وفي الغالب يشمل برنامج التجوال مسار مشيٍّ وجلسًة مع أهل البلد، ومائدة جماعية، وأغاني فلسطينية، و"عونة" لأهل البلد.

قال أحد أعضاء فريق "تجوال سفر" سامر شريف: "المجموعة تعد جزءاً من مبادرة سفر على مستوى الوطن العربي والتي شعارها (أنسج رحلتي لتتسع رؤيتي)، فاستكشاف أماكن جديدة وأشخاص جدد والتفاعل معهم بنقاشات وحوارات، والتعبير عن رأيك، من أهم طرق التعلّم، وبناء الشخصيّة".

وأضاف لـ"فلسطين": "نحن نعشق السفر ولا نحب السياحة؛ لأن هدفنا هو التعلّم من السفر، ومن تجربة استكشاف أماكن جديدة، والتعرف على أشخاص جدد، واكتشاف البلد وأهله، وتجربة أن تكون جزءًا من مجموعة كبيرة، بالإضافة إلى تجربتنا في تنظيم التجوال، أو في استضافة التجوال في مناطقنا".

وتابع: "في كل رحلة، يستضيفنا أحد أعضاء المجموعة أو أحد أصدقائنا في قريته، ويتضمن كل تجوال جلسة مع أهل البلد وسماع حكايات الناس، والتعرّف على الثقافات الشعبية منهم، وترديد أغانٍ فلسطينية معهم، إلى جانب عمل تطوعي تبادلي، أو معونة لأهل البلد، مثل الزراعة وبناء بيوت الطين وبناء السلاسل وتنظيف عيون الماء، أو حسب حاجة أهل البلد المستضيف لمجموعة التجوال".

وواصل: "هذه الأعمال، خاصة المتعلقة بالأرض، تعمق ارتباط الإنسان بأرضه، في مقابل الحياة المدنية الحديثة، التي تشغل وقت الإنسان بعيدًا عن الأرض وتفصل بينهما".

يشارك في كل جولة حوالي 100 شخص، من مختلف مناطق الضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 1948، مما يخلق نسيجًا اجتماعيًا بين أهل هذه المناطق، التي عمل الاحتلال على تفكيك الترابط الاجتماعي بينها، وتعتمد نشاطات التجوال على العمل ضمن مجموعة، كالأعمال التطوعية، وحتى تناول الطعام يكون جماعيًا.

"تجوّل في الأرض تمتلكها".. هذا هو شعار المجموعة، الذي تم اختياره بما يتناسب مع وقوع فلسطين تحت الاحتلال.

وأوضح شريف: "نعني بالامتلاك المعاني المختلفة لهذه الكلمة، وهي امتلاك هوية الأرض، وتثبيتها كهوية عربية فلسطينية، مقابل محاولات تشويه الهوية الحقيقية، وامتلاكها داخليًا، حيث يشعر المشارك في التجوال بارتباط مع الأرض".

ويشكل التجوال أيضا مساحة لتبادل الكتب، وبعد كل تجوال يكتب المشاركون عن تجربتهم، والأماكن التي زاروها والأشخاص الذين التقوهم، ووجد أفراد هذه المجموعة أنّ السفر داخل حدود البلد الواحد يعني أن يبدأ الفرد باكتشاف نفسه، وهو أمر مهم لبناء الشخصية، واكتساب المعرفة، بحسب شريف.

وفي الرحلات، يردد المشاركون بعض الأغنيات والصيحات مع التصفيق، وأكثر ما يتم ترديده الزفة الفلسطينية "مساك بالخير واحنا تونا جينا".

الصحة والفكر

وبيّن: "نتجه في (تجوال سفر) نحو تعزيز صحة الإنسان وعافيته الجسدية، من خلال مسارات المشي ومسارات الدراجات الهوائية، بالإضافة إلى التأمل في التجارب التي يعيشها الإنسان، وهذا مهم للصحة النفسية، ونحو تطوير فكره من خلال الحوارات والنقاشات وتبادل الكتب، كما أننا نتجه نحو احترام الطبيعة، فنتناول ما نأخذه من منازلنا، ولا نشجع على استخدام الأطعمة الجاهزة".

بدأت هذه المجموعة عام 2011 بأول تجوال إلى قرية "صفّا"، بمشاركة ثلاثة عشر شخصا، حيث استضاف المجموعة أحد المشاركين فيها من سكان هذه القرية، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقفوا عن التجوال.

وقال شريف: "ما نزال مستمرين؛ لأن لنا حلمًا بتجاوز الحدود، ونسعى لتكوين نسيج اجتماعي مع كل مدن وشباب الوطن العربي".

وأضاف: "نختار المدينة التي سنتوجه لها، ثم يبدأ الفريق بترتيب البرنامج مع الشخص المستضيف، وبالتنسيق مع الباصات، ويتم تقسيم تكلفة الباصات على عدد المشاركين، فنحن ندفع تكاليف التجوال بأنفسنا".

وأوضح أن المشاركين من أعمار وأماكن مختلفة، وتنطلق الباصات من الخليل ونابلس ورام الله، وعندما يكون التجوال في مناطق القدس والداخل تنطلق الباصات من مدينتي القدس والناصرة.

وبحسب ما يراه من ردود فعل، أكد شريف أن "الفلسطينيين يحتاجون لمثل هذه الجولات، التي تزيد معرفة الإنسان بنفسه وبالمناطق وبالأشخاص، لذلك نحن جميعًا نحتاج إلى نمط تفاعل خارج إطار العائلة والعمل، مع أشخاص يشاركوننا الاهتمامات".

ونوه إلى أن الفكرة الأساسية من التجول هي "التعلّم عن طريق الجولات، وهذا يتحقق بفعل استكشاف الأماكن والتفاعل مع الأشخاص، والتأمل في هذه التجارب".

وأشار إلى أنه لا يمكن تحديد عدد القرى التي زارها المتجولون؛ وذلك لأن بعضها تتكرر الزيارات لها.

وقال شريف: "خرجنا من إطار المدن الفلسطينية، ونظّمنا جولات عديدة في الأردن مع مجموعات شبابية تؤمن بنفس الأفكار".