فلسطين أون لاين

​استنساخ تجارب الآخرين .. الفشل متوقع

...
غزة - هدى الدلو

ادخر ماله لسنواتٍ عدة ليفتتح بواسطته مشروعا تجاريا، ولكن تفكيره المتواصل لم يهدِه إلى فكرة جديدة، فقرر أن يحاكي أحد المشاريع الناجحة وفق تقديره، مستنسخًا الفكرة طبق الأصل، ليعود "للصفر" ويخرج من المشروع بديونٍ متثاقلة على كاهله.

يقول معتصم أحمد (31 عامًا): "اعترف أني لم أدرس المشروع بطريقة صحيحة، نظرت له من القشور دون دراسةٍ متعمقة، مما اضطرني للاستدانة خشية الحاقي بالسجن، فدفعتُ أجرةً باهظة لإيجار محل لبيع الهواتف المحمولة، وعمل بعض الديكورات، كما أني لم أختر المكان المناسب".

وأضاف: "لم أتوقع هذا الشكل من التنافس والاحتكار في السوق الذي أضر بتجارتي، وبعد محاولات فاشلة لإعادة ترتيب الوضع المالي والعمل على مسايرة السوق وتسديد الدفعات المالية لتجار الجملة، وإيجار المحل وفواتير الكهرباء، هذا عدا عن كساد في البضاعة مما اضطررت لبيعها في سعر الجملة وبعضها بأقل من ذلك".

وأوضح أن استنساخ تجارب الآخرين لا تصلح دون دراسة جيدة، فكل مشروعٍ له دراسته الخاصة والتي تختلف من مشروع لآخر حسب المكان والزمان وأمور أخرى كثيرة، ورأى أن تكرار تجارب الآخرين حتى لو كانت فاشلة إلا أنها قادته للفشل الذريع.

كثيرٌ من الأفراد يندرجون تحت قائمة الفشل في تجاربهم الاجتماعية والعلمية والعملية بسبب استنساخهم لتجارب الآخرين وتقليدهم لها حرفيًا، فتنتهي هذه التجارب بحالةٍ من اليأس والإحباط بعد الفشل الذي صفعه، فمن نجح فيه أحدٌ قد لا يصلح لآخر، فأي تجربةٍ هي بحاجةٍ إلى الدراسة الجيدة والعميقة قبل تخطي أي عتبة أو اتخاذ أي قرار.

خيبة أمل

أما علا حسن (26 عامًا) فقد تقدم لخطبتها شاب يصغرها بثلاثة أعوام، ولكن بعد تردد كبير، وخشية من نظرة المجتمع، وحديث الناس، فوافقت بعدما اقنعتها صديقتها وسردت على مسامعها قصة زواج ناجح من هذا القبيل، وبعد ستة شهور من الزواج بدأت تشعر بأنه بدأ يتخذ منحى سلبيا بظهور المشاكل شيئًا فشيئًا.

تقول: "بعد شهورٍ من الفرحة والسعادة، أصبحتُ أشعر بخيبة أمل رغم أن الفارق العمري والفكري ليس كبيرا، إلا أني وجدته لا يتحمل المسئولية، وطريقة حديثه مع الآخرين لا تنم عن وعي، كما أنه لا يتقبل النقاش والحديث عن أخطائه، علاوةً على ذلك يفتعل المشاكل على أمورٍ تافهة".

وتضيف: "أصبحت حياتنا لا تخلو من المشاكل والمشاجرات اليومية والصوت العالي، لتحكم على تجربتها بالفشل، وتختار العودة إلى حياةٍ هادئة بطلب الانفصال بشكلٍ نهائيٍ عنه".

مسئولية الأهل

من جانبها تقول الأخصائية النفسية أحلام سمور أن كثيراً من الأشخاص يلجؤون إلى استنساخ تجارب الآخرين وتقليدهم دون أن تكون لهم بصمة خاصة في هذه التجربة، والسبب يُعزى إلى التقليد الأعمى، وغياب شخصيتهم الذاتية، وعدم وجود استقلالية، إلى جانب افتقاد الخبرة.

وتوضح أن الشخص المُقلد لا يميل إلى استخلاص التجربة وما فيها من عبرةٍ وعظة، مما يدل على انعدام الثقافة، والتقليد لمجرد التقليد بدون فهم، فقد يكون بدافع الغيرة من الآخرين.

وتلفت إلى أن التجارب تختلف من شخصٍ لآخر وفق السمات والصفات الشخصية، واختلاف الظروف؛ وعدم إدراك ذلك قد يؤدي إلى الفشل لا سيما إذا لم يستفد بشكلٍ جيد من تجارب الآخرين وهنا يكمن الإخفاق، فالانتباه لخصوصية كل حالة مهمٌ للغاية؛ وعدم تكرار ما هو موجود خاصة في المشاريع التجارية التي تتطلب الإبداع والتجديد للوصول إلى النجاح.

وتزيد على ذلك: "تقليد الآخرين في تجاربهم واستنساخها مصيره حتماً الفشل؛ حتى وإن حقق نجاحًا نسبيًا، مما يجعل الشخص يضطر لمواجهة عاصفة المشاكل التي يكون أساسها الفشل الذي يؤدي به إلى الشعور بالإحباط واليأس، ومن ثم الصراع النفسي الذي يُوجد لدى صاحبه اضطرابات في الشخصية".

وتحذر سمور من أن التقليد سيدخله في دوامة مقارنةِ نفسه مع الآخرين متناسيًا ظروف وإمكانيات كل شخص وصفاته والأدوات التي استخدمها، بالإضافة إلى البيئة المحيطة، مبينةً أن الإنسان الناجح في أغلب الأحيان يمتلك قدرات خاصة تساعده على النهوض بعد الفشل، في حين أن الشخص المقلد للتجربة لا يمتلك نَفسًا للمحاولة واكتشاف الأخطاء لإصلاحها وتكرار التجربة من جديد.

وتابعت حديثها: "لإيجاد شخصية مستقلة غير مقلدة للآخرين ومستنسخة لتجاربهم، لابد أن تبدأ من تربية الأهل للطفل منذ نعومة أظافره، فهذه المسئولية تقع على عاتق الأسرة من خلال تعليمه الاستقلالية، وغرس السمات الشخصية".

ولفتت سمور إلى أن التقليد لابد أن يكون وفق القدرات والإمكانيات لمراعاة النتائج المترتبة، من خلال الوعي والإدراك ومقارنة ظروفه بظروف المحيطين، مع مراعاة الفروق الفردية، كما أن التجارب لا تؤخذ على علاتها، فلابد من التطوير والتغيير لتتناسب مع الذات.