فلسطين أون لاين

تقرير خالد وأسماء.. وداع قسري في يوم "الحنة"

...
photo_2024-04-25_21-06-29.jpg
غزة- نبيل سنونو:

اجتاحت السعادة قلب العشرينية أسماء عودة، مع بدء العد التنازلي لحفلها الذي ستتربع فيه كملكة في يوم "الحنة" المنتظر قبل أن تزف إلى فارس أحلامها خالد.

لكن قلب خالد اندلعت فيه حرب طاحنة، يوم 29 أكتوبر 2023 المحدد للحفل بين حلمه بعش الزوجية مع أسماء وواقعه بتلقي نبأ استشهادها.

بدأت حكاية حب تنسج فصولها بين خالد زقوت الذي أتم حديثًا عامه الـ30 وأسماء بمجرد أن التقى بها في منزل أسرتها بقصد خطبتها.

"ضحيت بأعوام عدة من عمري حتى أستكمل بناء شقتي وأخرت فكرة الزواج لتحقيق هذا الهدف إلى أن التقت أمي أسماء في عرس وكانت تعرف أمها وأختها" كانت هذه نقطة تحول يسردها خالد.

رأت والدته أن اللحظة قد حانت ليدخل ابنها وهو الثاني بين إخوته "القفص الذهبي" بعدما جهز شقته.

التقاها الشاب اليافع لتغزو قلبه بلا استئذان بكثير من الحب والتفاهم من "أول نظرة".

يتنهد خالد ذو البشرة المتناغمة مع لون قمح فلسطين كما لو أنه يرى شريط الأحداث وهو يمتدح أخلاق أسماء ويأخذ شهيقًا وزفيرًا مغمورين بالحزن.

كادت أسماء والكلام لخالد أن تطير من الفرح؛ فعدا عن أنها آخر العنقود في أسرتها التقت شريك حياتها الذي رأت فيه نفسها خلقًا وعلمًا ولطالما قالت له: "كأني بعرفك من زمان".

سارع "العصفوران" الخطى في تجهيز شقتهما وتشاركا في اختيار كل شيء فيها.

ولم تكن العروس لتصدق أن أسبوعًا تلو الأسبوع يمر ويقربها من حلم عمرها كما يتابع خالد الذي يعمل في مجال شبكات الإنترنت.

*مفارقة*

في 29 أكتوبر فجرًا غرد كل منهما للآخر بمكالمة هاتفية جمعت قلبيهما رغم بعد المسافة؛ حيث هو نازح في خانيونس جنوب القطاع وهي في جباليا شماله يفرق بينهما تقطيع أوصال غزة على يد الاحتلال في حربه المستعرة منذ مطلع أكتوبر.

كانت أسماء بعيدة عن كرة القدم كحال المشرق للمغرب، لكنها أحبتها لأجل خالد حتى أنها طالبته بحلوان فوز فريق "الريال" الذي يشجعه في إحدى المباريات في بداية المكالمة.

لكن سرعان ما تبدد التفاؤل في نهاية الحديث واتجهت للبكاء والحزن كأنها تشعر بدنو أجلها أو أن شيئًا ما سيحصل لها.

-"ايش مالك؟" سألها خالد.

-"مخنوقة؛ عندي أمنية واحدة نفسي أشوفك قبل ما أموت" أجابته أسماء.

حتى أنها ودعت والديه وخالاته وكل من عنده وانتهت المكالمة.

حينئذ "وخزه قلبه" وظل مستيقظًا إلى أن توجه كعادته إلى مستشفى ناصر ليشحن هاتفه بالكهرباء في ظل انقطاعها المزمن عن أرجاء القطاع.

أدرك خالد أنه عندما يتملكه هذا الشعور فإن شيئًا في غاية السوء سيحدث.

باغته قدوم أخيه الذي وصله خبر استشهادها إلى المستشفى وقد دارى عنه معرفته بالفاجعة.

وجد أخوه نفسه في موقف صعب ولم يجد طريقة لمصارحته إلا أنه طلب منه المغادرة لمقابلة أبيهما.

ساور الشك خالد وسأل أخيه: "ماذا حدث؟ ماذا يريد مني أبي؟".

غلبه الشعور بأن سوءًا ما أصاب حبيبة قلبه، فوجه سؤالًا ثاقبًا لأخيه: "صار اشي مع أسماء؟".

-"نعم". أجاب أخوه.

-"أسماء استشهدت؟ .. امشي نروح" كانت هذه الإجابة التي سارع بها خالد مكتويًا بلوعة الفراق القسري.

ارتقت أسماء برفقة والديها وأخيها وزوجة أخيها في قصف منزل نزحوا إليه قبل أن يهدم الاحتلال منزلها أيضًا.

عاد خالد وشقيقه إلى المنزل الذي ينزحان إليه برفقة أسرتهما التي تعلقت كثيرًا بأسماء وأحبتها بلا حدود.

الجميع بكاها دون أن يجف الدمع أبدًا.

لكن خالد الذي أدرك أن والديه قد بدءا خسارة صحتهما حزنًا وألمًا امتنع عن الاستمرار في نشر قصتهما وآثر مقاومة دموعه ليقينه بأن البكاء لن يعيد لأسماء الحياة.

ومع ذلك يقول: "هي في قلبي لن تمحى بسهولة ولو ارتبطت ثانية فسأحب من أرتبط بها وأحترمها لكن تظل هناك ذكرى لأسماء التي ذهبت عند خالقها".

كانت هذه المصيبة الثانية في حياة خالد بعد أن كاد يفقد يديه عام 2013  في إثر ارتطام عمود كرة السلة بهما وهو الحدث الذي استند إليه أبوه ليهون عليه مأساة الفراق مستشهدًا بصبره واحتسابه.

يستعين خالد الذي نجا بدوره من قصف ملاصق لمكان نزوحه في خانيونس بالصلاة وقراءة القرآن ليخفف عن نفسه ما لا طاقة لها به، منتظرًا أن تضع الحرب أوزارها أملًا في أن تدور عجلة حياته من جديد ويرمم شقته التي تضررت جزئيًا بقذيفة.

وكما أنه لن ينسى أسماء لن تفوته مفارقة عدم تمكنها من اختيار يوم 30 أكتوبر لإقامة حفل الحنة، واضطرارها لتحديد يوم 29 ليكون هو ذاته يوم استشهادها.

وكحال خالد يظل قهر الفقد محفور في أفئدة المحبين في قطاع غزة دون حول منهم ولا قوة.

المصدر / فلسطين أون لاين