هجرت عيون السَّيِّدة سعاد أبو كلوب النَّوم منذ عشرة شهور خلت، فهي إمَّا مقيمةً في المشفى مع ابنها كرَّم أو مراقبة لوضعه الصِّحِّيِّ في خيمة النُّزوح الَّتي لا تقي حر الصَّيف ولا برد الشِّتاء، فكيف يكون الحال مع طفل مريض يحتاج للتَّحويل بشكل عاجل للعلاج في الخارج، ومع انسداد الأفق باستمرار حرب الإبادة الإسرائيليَّة على غزَّة، وإغلاق معبر رفح فلا تملك الأمُّ سوى الصَّبر على ما يكابده طفلها من آلام أمام ناظريها.
طفل طبيعي
فقبيل الحرب على غزَّة كان الطِّفل كرَّم الحايك " ثلاث سنوات ونصفً " ينمو بشكل طبيعيّ، ولا يعاني من أيِّ مشكلات صحِّيَّة، وقد نزح أهله من مكان إلى آخر حتَّى خرجوا من مدينة غزَّة للجنوب.
وقد تنقَّلت أسرة الحايك بين عدَّة أماكن في جنوب القطاع، بحثًا عن الأمن، لكنَّ حدث ما لم يكن بالحسبان ففي شهر فبراير العام الماضي، قصف الاحتلال الإسرائيليِّ مسجدًا قريبًا من المدرسة الَّتي كانوا متواجدين فيها في مدينة خانيونس.
وما أن انقشع غبار القصف الإسرائيلي دخل الطفل الحايك في مرحلة اعياء اعتقد الأهل أنها مجرد انفلونزا مصحوبة بارتفاع في درجة الحرارة لكن أمام عدم استجابته لأي علاج اضطروا لاصطحابه للمستشفى.
وهناك استقر الحال به لمدة أربعة شهور متتالية في المشفى الأوروبي مكث فيها الطفل عشرين يومًا منها في العناية المكثفة، ليحل كلام الطبيب المعالج كالصاعقة على قلب أبو كلوب التي كانت تتابع بقلق تدهور حالة طفلها الصحية حيث أخبرها الطبيب أنهم قد يضطرون لوضعه على جهاز التنفس الاصطناعي في أي لحظة قائلا لها: "الله يعوضك خير".
وقد سعت أسرة الحايك للحصول على تحويلة العلاج في الخارج وكان لها ما أرادت في شهر إبريل/ نيسان الماضي لكن اجتياح الاحتلال لمدينة رفح وإغلاق المعبر حال دون سفره.
وبقي الحايك وأسرته يعانون من تدهور وضعه الصحي حيث يبيت بين الحين والآخر بالمشفى، " جددنا التحويلة مؤخرًا على أمل أن يتم تسفيره عبر " معبر كرم أبو سالم" لكننا جوبهنا برفض استقباله من الدول المعالجة وذلك لأن الأطباء هنا شخصوه على أنه مريض بـ " السل الرئوي" فلم تقبل أي دولة استقباله كون المرض معديًا".
وتواصلت أسرة الحايك مع طبيب أمريكي وأرسلت له كل الفحوصات فصحح لهم التشخيص وأخبرهم بأن ابنهم مصاب بـ " تليف كيسي على الرئتين" و" نقص مناعة" لكنه حتى الآن لم يحظ بحقه في العلاج بالخارج.
تقول والدته:" حالة ابني كل يوم من سيء لأسوأ، ويحتاج للعلاج في أسرع وقت ممكن، كان طفلًا طبيعيًا ومن يراه الآن لا يصدق أنه كرم".
فقد خسر الطفل الحايك من وزنه الكثير وأصبح لا يتحكم في عملية الإخراج ويحتاج لحفاضات بشكل دائم، بجانب عدم قدرته على اللعب والحركة بشكل طبيعي حيث يصاب بتقطع في التنفس.
وتقف صعوبة الوضع المادي ومرارة النزوح عثرة اخرى في وجه أسرة الحايك فالوالد عاطل عن العمل حيث كان عامل بناء باليومية قبل الحرب، "يومًا بعد يوم اضطر للذهاب من مواصي خانيونس حيث أقيم لمشفى ناصر ليتناول الأدوية التي تبقيه على قيد الحياة".
وتضيف الأم:"اضطر في أحيان كثيرة المشي رغم طول المسافة واضطراري لحمله هو وشقيقه الأصغر محمد، أو اضطر لاستدانة إيجار الطريق، وأحيانًا أبيع جزءًا من محتويات الكبونات الغذائية التي نحصل عليها لاوفر ثمن المواصلات!".
وأمام سوء الحالة المادية والغلاء الفاحش الذي تشهده أسواق قطاع غزة حاليًا فإن الأم تبقى عاجزة عن توفير الغذاء الصحي لابنها كي يسترد جزءا من عافيته، "يحتاج للعسل واللحوم والأسماك والبيض والحليب، لكن ما باليد حيلة فعبوة الحليب الواحدة المخصصة لمرض نقص المناعة تكلفتها تسعين شيكلا ".
وحتى الاستجابة لمناشدتها فإن الأم أبو كلوب مضطرة لقضاء ليلها مستيقظة تتفقد تنفس كرم خشية أن تفقده، " تأتيه نوبات من انقطاع النفس يزرق وجهه ويستفرغ .. فيتقطع قلبي وقلب والده على قلة حيلتنا".