أيام قليلة على بداية شهر رمضان المبارك ولم يتمكن الشاب أحمد عليان (33 عاماً) تحضير أي أجواء لاستقباله كما في الأعوام السابقة، بفعل الظروف القاسية التي فرضها العدوان "الإسرائيلي" المستمر على قطاع غزة للشهر السادس على التوالي.
فقد اعتاد عليان الذي يقطن في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، على إضفاء أجواء من السعادة والسرور لدى أطفاله الأربعة من خلال تعليق الزينة الرمضانية والأحبال المضيئة بألوانها المختلفة داخل أرجاء بيته المتواضع.
لكن هذا العام جاء على غير العادة فقد دمّرت طائرات الاحتلال "الإسرائيلي" بيت عليان وحوّلته إلى "كومة من الحجارة"، وهو ما زاد الغصّة لديه وعائلته التي كانت تنتظر قدوم شهر رمضان "على أحر من الجمر".
يرمي عليان نظراته المليئة بالحسرة والحزن نحو بيّته المدمر ويستذكر "في مثل هذه الأيام من كل عام، كنت اصطحب أولادي إلى السوق واشتري لهم الفوانيس وأحبال الزينة، الأمر الذي يدخل على قلوبهم السعادة والفرحة".
لم يجد عليان كلمات تسعف ذاكرته المنهكة في التعبير عما يجول في خاطره، خاصة أنه لم يمضِ على انتقاله لبيته الجديد سوى شهرٍ واحد وفقط، لكن فرحته لم تتم، إذ اكتفى بقوله "حسبنا الله ونعم الوكيل".
وما يزيد الغصّة في قلبه أن مناطق شمال قطاع غزة يجتاحها الجوع بفعل سياسة التجويع التي تمارسها سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" إذ يخشى من عدم قدرته على توفير الطعام والشراب لأطفاله خلال شهر رمضان، وفق ما يحكي لمراسل موقع "فلسطين أونلاين".
ويجتاح الجوع بطون نصف مليون نسمة في محافظتي غزة وشمال القطاع، بفعل الحصار المجحف الذي تفرضه سلطات الاحتلال للشهر السادس على التوالي، ضمن مسلسل الإجرام "الإسرائيلي" في خضم العدوان الممنهج على القطاع الذي اشتعل نيرانه في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما أدى إلى تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية.
الشاب مؤمن جبر (27 عاماً) ذاق مرارة الكأس ذاته، فلم يحتفل باستقبال شهر رمضان المبارك كما في كل عام، بعدما أصبح "بلا مأوى" عقب تدمير قوات الاحتلال منزله وارتقاء طفلته التي لم تتجاوز العام والنصف شهيدة خلال العدوان "الإسرائيلي".
في هذه الأيام من كل عام، يكون "جبر" منهمكاً بإحضار السلع المخصصة لشهر رمضان ومستلزماته، عدا عن تعليق الزينة في مختلف أرجاء منزله الواقع في حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة.
واعتاد "جبر" على تخصيص زاوية في بيته للدعاء والصلاة وقراءة القرآن، وتعلّم الدروس الدينية وفضائل شهر رمضان وغيرها، لكن هذا العام كانت الظروف قاسية، حيث يحكي والحسرة تجتاح تقاسيم وجهه "ما رح نشتري زينة ولا فوانيس رمضان هذا العام، فالاحتلال دمّر بيتي الذي يأويني وعائلتي".
ويُكمل لمراسل "فلسطين أونلاين": "كنت بدي اشتري فانوس لطفلتي، لكنّ ما الها نصيب فقد ارتقت شهيدة عقب قصف منزلٍ مجاور لمنزل نزح إليه بعد الاجتياح البري لقوات الاحتلال لحي الشيخ رضوان".
ويأمل جبر أن ينتهي العدوان الإسرائيلي قبل قدوم شهر رمضان المبارك وأن تعود الحياة في قطاع غزة إلى سابق عهدتها، كي يتسنى للمواطنين الاحتفال بالشهر الكريم والتفرغ للعبادة وقراءة القرآن.
وتختلف مظاهر رمضان من بيت إلى آخر في قطاع غزة، إذ تُعتبر جميعها مصدر بهجة وسرور للقلوب وتكون فرصة لتغيير روتين الحياة خلال العام بأكمله، لكن العدوان الإسرائيلي هذا العام غيّب كل هذه المظاهر عن الغزيين وخلق واقعاً اقتصادياً ومعيشياً قاسياً.
على غرار ذلك، تسود حالة من الحزن لدى المواطن إيهاب حمدونة الذي ترك بيته الكائن في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة ونزح إلى إحدى مدارس محافظة رفح جنوب القطاع، كونه سيستقبل رمضان هذا العام وهو خارج بيته.
وبصوت يرافقه الحسرة يحكي عبر هاتف مراسل "فلسطين أونلاين": "لم نستطع استقبال رمضان كما اعتدنا في كل عام، كوننا بعيدين عن بيتنا الذي نزينه استعداداً لهذا الشهر".
ويضيف "رمضان في بيتنا أجمل مع لمّة العائلة، وسنحتفل حتى لو على الركام"، معرباً عن أمله أن ينتهي العدوان "الإسرائيلي" على القطاع قبل حلول شهر رمضان كي يتمكن من العودة إلى بيته المدمر جزئياً.
ولا تزال معركة "طوفان الأقصى" مستمرة للشهر السادس على التوالي، حيث خلّفت أكثر من 40 ألف شهيد وعشرات آلاف الإصابات في صفوف المواطنين، عدا عن الدمار والخراب الكبيرين اللذين أصابا كل محافظات قطاع غزة.