اختار الشاب خالد عطاالله أحد الأسواق المزدحمة في مدينة غزة لعرض فانوس رمضان ووسائل أخرى تستخدم في تزين المنازل والشوارع بمناسبة الشهر الفضيل.
وأبدع عطاالله البالغ (32 عامًا) ومعه اثنين آخرين في تنظيم البضائع على بسطة كبيرة في سوق الصحابة بحي الدرج وسط مدينة غزة، في محاولة منه لجذب الزبائن.
لكن اهتمامات المواطنين لم تدفعهم إلى شراء الفانوس، والذي يعد وسيلة ترفيه أساسية لأطفالهم، بقدر ما أصبحوا حريصين على توفير ما يسد رمق أسرهم الجائعة بفعل الحرب التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتركت الحرب الممتدة للشهر السادس على التوالي تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية لدى سكان محافظتي غزة والشمال، مع إصرار جيش الاحتلال على فصل المحافظتين على باقي مدن القطاع الساحلي والحيلولة دون وصول المساعدات الاغاثية إليهم.
ويوجد في المحافظتيْن المنكوبتيْن أزيَّد من نصف مليون مواطن يعيشون مجاعة بفعل انتهاكات جيش الاحتلال وسياساته، وفق ما توثقه تقارير أممية ودولية.
وكان عطاالله ينادي بصوت مسموع رغم الضوضاء التي تهيمن على سوق الصحابة لجذب الزبائن فيما اكتفوا بالنظر إلى بضاعته ومواصلة السير والتنقل بين المحال والبسطات بحثًا عن أي سلعة أو وجبة قابلة للأكل.
لكنه لم ييأس وقال لموقع "فلسطين أون لاين" وبدا واثقًا: "من لم يشتري الفانوس اليوم، سيأتي ليشتريه غدًا".
ويعد الفانوس أحد الطقوس الرئيسية لدى المسلمين ليس في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة فحسب، بل في جميع الدول العربية والإسلامية أيضًا، إذ تتنوع أشكاله وألوانه وأصوات الأناشيد الإسلامية التي ينطق بها.
وطيلة السنوات الماضية أبدع الأهالي بغزة في استغلال أجواء رمضان ويرافقه في العادة تزيين الشوارع والمنازل والمؤسسات وإقامة المناسبات والولائم.
لكن بفعل استمرار الحرب الإسرائيلية وجرائم جيش الاحتلال سيكون الحال مختلف تمامًا هذه المرة.
ولوقت طويل تنقل أيمن حسان (45 عامًا) مع زوجته بين المحال التجارية والبسطات وبدا أنهما منهكين بعد ساعات من السير على قدميهما.
وقال لـ"فلسطين أون لاين": إن همه الأول والأخير أن يعود إلى بيته بوجبة لإطعام أطفاله الخمسة.
وأضاف حسان: أن أبنائه باتوا يتمنون رغيف الخبز.
ويفتقد المواطنون المتواجدون في شمالي القطاع الدقيق مع استمرار الحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال على إثر التوغل برًا يوم 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتحكم بإدخال المساعدات الاغاثية.
ويتراوح ثمن الكيلوجرام الواحد من الدقيق في شمالي القطاع بين 75-90 شيقلاً، ووصل في بعض الأيام إلى ١٢٠ شيقلاً أي ما يعادل أكثر من ٣٠ دولارًا.
بينما لا يقدر حسان على شراء الدقيق بهذا الثمن خاصة بعد توقف عمله على إثر تدمير شركة محلية خاصة بتجارة أجهزة الهاتف المحمول كان يعمل فيها.
وتابع حسان: إن شهر رمضان يطرق الأبواب.. مصيبة كبرى إن لم يسمح الاحتلال بإدخال كميات كبيرة من الدقيق والمواد الغذائية.
ومنذ بدء الحرب على غزة يوم 7 أكتوبر، تعمد جيش الاحتلال تدمير القطاع الاقتصادي بغزة واستهدف الشركات والمصانع والمؤسسات.
وعادة يستغل المواطنون شهر رمضان كمصدر أساسي للرزق، فمنهم من يتجه لبيع أنواع مختلفة من التمور والفواكه المجففة، وغيرهم يلجأ إلى بيع أقراص "القطايف" والتي تصنع منها الحلوى وبعدة أطعمة.
إلا أن هذه الطقوس سيفتقدها الكثيرون من الأهالي بغزة مع استمرار جرائم الاحتلال وما نتج عنها من مجازر راح ضحيتها عائلات بأكملها.
وهذا ما يتوقعه إسماعيل نصار في العشرينيات من عمره، والذي ورث مهنة صنع أقراص القطايف عن والده، ويعمل بها منذ 7 سنوات على الأقل.
وقال لـ"فلسطين أون لاين": ستكون أجواء شهر رمضان مختلفة عن السنوات الماضية وهذا بسبب مآسي المواطنين وافتقاد الأسواق مكونات صنع الحلويات الرمضانية.
وأضاف: أن الحرب الإسرائيلية غيرت خطته لشهر رمضان، وأفقدته مصدر رزق موسمي لم يتخلى عنه مطلقًا منذ سنوات.
وبينما تزداد معاناة المواطنين في قطاع غزة -يزيد تعدادهم عن مليوني نسمة- وتتعدد مآسيهم بفعل الجرائم الدموية، يتطلع هؤلاء إلى إنهاء الحرب عاجلاً قبل حلول شهر رمضان بعد أيام، وإعادة الحياة إلى القطاع المدمر.
يشار إلى أن جيش الاحتلال دمر أسواق مركزية ومنها سوق الزاوية الكائن في البلدة القديمة وسط مدينة غزة والذي يتميز بزينته خلال رمضان، علاوة على قصف وتدمير غالبية مساجد القطاع وخاصة الأثرية منها.
