فلسطين أون لاين

20 يومًا بقيت تحت الركام

تقرير سُمية السويركي.. حكاية ناجية من الحرب شاهدت والدتها تنزف حتى الموت

...
سُمية السويركي.. حكاية ناجية من الحرب شاهدت والدتها تنزف حتى الموت
غزة - أدهم الشريف:

"منعتني الإصابة من تقديم المساعدة لها. لقد رأيتها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة".. استعادت سُمية السويركي (19 عامًا) بهذه الكلمات آخر لحظات قضتها إلى جانب والدتها حنان السويركي (37 عامًا) قبل استشهادها؛ واصفة مشهد مؤلم لن يمحوه مرور السنين من ذاكرتها.

لقد كانت حنان على بعد خطوات من ابنتها بعدما لقيا نفسيهما وآخرين من أفراد العائلة مبعثرين تحت الركام مضرجين بدمائهم وينزفون بشدة بعدما أغارت مقاتلات جيش الاحتلال الإسرائيلي على بناية سكنية مأهولة بالمدنيين في منطقة الرمال الشمالي.

بصوت خافت دلَّ على حجم الألم الذي يعتمل قلبها حكت سُمية لموقع "فلسطين أون لاين" تفاصيل الجريمة الإسرائيلية التي راحت ضحيتها والدتها وأشقائها الثلاثة خلال الحرب الموسعة والممتدة للشهر الرابع على التوالي.

في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2023، لم تكن الأوضاع على ما يرام في مدينة غزة، إذ صادف هذا التاريخ اليوم الثاني لانهيار التهدئة الإنسانية التي امتدت في حينه 7 أيام وانتهت صباح الأول من ذات الشهر.

تقول: كنا نسمع أصوات القصف في كل مكان، ومع كل غارة تشنها طائرات الاحتلال كانت البناية السكنية التي نسكن فيها تهتز بشدة.

فجأة ودون سابق إنذار بدأت القنابل تنهمر على عدد من البنايات المأهولة بالمدنيين، وكانت البناية التي تملك عائلة سمية شقة سكنية فيها إحدى البنايات المستهدفة وسط مدينة غزة.

في حينه كانت سمية وأفراد عائلتها قد لجئوا إلى وسط شقتهم السكنية محاولين البحث عن أمان أفقدتهم إياه الحرب الإسرائيلية.

وبالفعل؛ حصل ما كان الجميع يخشاه، فقد أصابت قنبلة ألقتها الطائرات الحربية البناية مباشرة ودمرت عدد من الطوابق فيها.

لم تمضِ سوى دقائق حتى انقشع غبار القصف وانطفأت ألسنة اللهب التي اشتعلت ووجدت سمية نفسها ملقاة دون أن تتمكن من التحرك من مكانها.

وعندما اتضحت الرؤيا أكثر، كان المشهد مروعًا ومفجعًا للغاية بالنسبة لسُمية. فوالدتها قد أصيبت في الغارة الإسرائيلية وبترت ساقها اليمنى وأصيبت الأخرى بكسور حادة جعلتها ملقاة أرضًا تحت الركام دون أي حركة مطلقًا.

فظاعة المشهد لم تنته عند هذا الحد، فقد وجدت سمية إلى جانبها أشقائها سعد (18 عامًا) وتالا (12 عامًا) ومحمد (5 أعوام) شهداء أيضًا، وقد تغيرت معالمهم بعدما فتكت بأجسادهم شظايا القنبلة التي دمرت عدة طوابق في البناية السكنية.

وأمام هول المشهد، لم يكن بإمكان سمية سوى أن تذرف الدموع بشدة على حال والدتها الجريحة وأشقائها الشهداء، إذ كانت مكبلة تحت الركام غير قادرة على تغيير مكانها أو حتى الاقتراب منهم.

تقول: إنها استطاعت لمرة واحدة مساعدة والدتها بإلقاء زجاجة مياه بالقرب منها لتتناولها وتشرب منها قليلاً.

بقيت سمية على هذا الحال 20 يومًا بين الركام لكن الأكثر إيلامًا بالنسبة لها أن والدتها فارقت الحياة في اليوم السابع للغارة الإسرائيلية "شاهدتها وهي تموت.. لفظت أنفاسها الأخيرة أمامي" قالت بألم اعتصر قلبها.

وبالنسبة لسمية فقد وجدت طريقة لشرب المياه من الفراش القريب منها بعدما امتلأ بمياه الأمطار، إذ قامت بعصره في إناء صغير لتروي نفسها.

في مشهدٍ آخر من المذبحة الإسرائيلية، كان سهيل السويركي (45 عامًا) والد سمية قد أصيب في نفس الغارة الجوية، وألقى به الانفجار العنيف من الطابق السادس إلى الشارع المقابل للبناية السكنية قبل أن تتمكن مركبات الإسعاف من نقله إلى مجمع الشفاء.

إلا أن نفس المركبات عندما حاولت انتشال باقي الجرحى والمصابين، استهدفتها طائرات الاحتلال وحالت دون إجلائهم وإنقاذ حياة من تبقى على قيد الحياة في حينه.

تبدو سمية رغم ألمها وشدة كربها أنها تحاول لملمة جراحها إلى جانب والدها حيث يخضعان للعلاج على أسرَّة مجمع الشفاء الطبي الذي يضم بين أروقته عدد كبير من جرحى الحرب الإسرائيلية، وعشرات آلاف النازحين، حيث لم تعد مهمته تقتصر على تقديم الخدمات الطبية فقط، بل مركزًا للإيواء أيضًا منذ بداية الحرب على غزة يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وتقول سمية: إنه لم يمكن لها نسيان جريمة الاحتلال التي أفقدتها أكثر من تحب.

وتضيف: أنها نجت بأعجوبة لتكون شاهدة على هول المذبحة حيث استطاعت فرق الإنقاذ والطوارئ انتشالها بعد انسحاب قوات جيش الاحتلال المتوغلة في منطقة سكنها.

أما والدتها وأشقائها الثلاثة الذين كانت أجسادهم قد بدأت بالتحلل، دفنوا في أرضٍ قرب البناية السكنية المقصوفة.

وأصيبت سمية بكسور حادة في الساق اليمنى دفعت الأطباء إلى إجراء عملية جراحية وتثبيت قضبان بلاتين في العظم بعد 20 يومًا من وصولها المستشفى وذلك بسبب الأعداد الكبيرة لجرحى الحرب الذي تجاوز 60 ألفًا بينهم أزيَّد من 5 آلاف مصابٍ بجروح خطرة هم بأمس الحاجة إلى التحويل للعلاج في الخارج، وفق معطيات رسمية.

 

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين