أطلق مراقبون اقتصاديون نداءً إلى السلطة الفلسطينية لتفضيل القطاعات الإنتاجية، وتحديداً القطاعين الزراعي والاقتصادي، ومنحهما الأهمية والأولوية اللازمتين فيما يتعلق بتخصيصات الميزانية السنوية.
يأتي هذا النداء في ظل ارتفاع مستمر لفاتورة رواتب القطاع الأمني في الضفة الغربية عامًا بعد عام، التي باتت تشكل نسبة كبيرة من الإنفاق الحكومي.
وأكد المراقبون حق قطاع غزة في تلقي حصته الكاملة من التمويل والموارد المالية، نظرًا لدوره الحيوي في توفير إيرادات مهمة لخزينة السلطة الفلسطينية، وخصوصًا من خلال العائدات المتولدة عن صادرات المحروقات.
وقال الاختصاصي الاقتصادي خالد أبو عامر إن السلطة في رام الله ما تزال تعطي الجانب الأمني الإنفاق الأعلى في الموازنة العامة على حساب القطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الزراعة والصناعة، كما تغيب المشاريع التنموية.
اقرأ أيضًا: موازنة السلطة 2021 تصطدم بضعف الإيرادات وتراجع المساعدات
وبين أبو عامر لصحيفة "فلسطين" أن ذلك الخلل في توزيع المال العام على القطاعات، يبقي معدلات الفقر والبطالة مرتفعة، ويفسح المجال أمام هدر المال العام دون رقابة أو متابعة فعلية على أرض الواقع.
وحسب بيانات وزارة المالية برام الله فإن نفقات وزارة الداخلية والأمن خلال فترة الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، بلغت 2.17 مليار شيقل وصعدت هذه النفقات بنسبة 6.7% على أساس سنوي، ارتفاعا من 2.038 مليار شيقل في الفترة المقابلة من العام الماضي.
والعام الماضي، كشفت وثيقة حكومية رسمية عن أن قطاع الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية يشهد تشوهاً كبيراً يتمثل في فجوة الرتب العسكرية، التي تتسبب في استنزاف المالية العامة الفلسطينية.
ووفق الوثيقة الحكومية فإن "أحد أبرز العيوب التي تعيشها المالية العامة الفلسطينية، وخاصة في بند الأجور، هو الإفراط في تعيين عناصر في أجهزة الأمن الفلسطيني".
وفي سياق ذي صلة، بين أبو عامر أن السلطة ما تزال تتعامل مع قطاع غزة على أنه جزء بعيد عن الوطن، وتعطي الحد الأدنى من احتياجاته رغم أن القطاع يشكل لها موردا ماليا مهما خاصة في ضريبة المحروقات.
ويستهلك الفلسطينيون شهريا قرابة 100 - 110 ملايين لتر من الوقود، وتتوقع حكومة رام الله أن تبلغ مداخيلها من ضريبة المحروقات خلال العام الجاري، بنحو 3.33 مليارات شيقل، وهو ثاني أعلى مصدر مالي ضريبي بعد الجمارك.
اقرأ أيضًا: خبراء: السلطة الفلسطينية مُقْدِمة على انهيار مالي وتحذير من فوضى خلاقة
وأشار أبو عامر إلى أن مجتمع المانحين أدرك أن إعطاء ظهره للسلطة الفلسطينية من شأنه أن يفقد سيطرة الأخيرة على الضفة الغربية، ما دفع ببعضهم إلى استئناف التمويل بتوصية إسرائيلية خاصة من دول الاتحاد الأوروبي.
وتطرق أبو عامر إلى قرصنة السلطة أموال رواتب موظفيها وكيف ساهم في تخليصها من جزء من أزمتها المالية، مبيناً أن استمرار صرف السلطة نسبة 85% من قيمة الراتب الكلي، مكن السلطة من توفير نحو 1.5 مليار شيقل في العام.
ونبه أبو عامر إلى أن السلطة قد تقدم على إحداث تغيرات في تركيبة حكومتها الحالية، في محاولة منها لامتصاص الغضب الشعبي العارم الذي يرفض سياسة التمييز والفوضى والواسطة والمحسوبية.
من جانبه دعا الاختصاصي الاقتصادي نائل موسى إلى ضرورة اتخاذ إجراءات لتعزيز الشفافية المالية، مشدداً على أهمية نشر تفاصيل الموازنة الحكومية بشكل دوري وشفاف للمواطنين.
وأكد موسى في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن هذه الشفافية تسهم في بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين وتعزز من فهمهم لكيفية إدارة الموارد المالية.
كما دعا موسى السلطة الفلسطينية إلى تكثيف جهودها في مكافحة ظاهرة المحسوبية في التعيينات الحكومية، وتأكيد اختيار الموظفين بناء على الكفاءة والاستحقاق، وليس بناء على الصلات الشخصية.
اقرأ أيضًا: رغم عجز الموازنة.. أجهزة السلطة تواصل الاستحواذ على النفقات المالية
ونبه موسى إلى أن نشر البيان الختامي للموازنة يظهر حجم الإنفاق الفعلي والإيراد المكتسب، وعليه يتم تعزيز الجوانب الإيجابية ومعالجة أوجه القصور.
بدوره أكد الاختصاصي الاقتصادي سمير الدقران ضرورة أن يكون متقلدو أمور الناس في مؤسسات السلطة الفلسطينية قادرين على مجابهة المتغيرات السياسية والاقتصادية بما يخدم المجموع الفلسطيني، وليس منطقة على حساب أخرى، وأن يعدلوا في توزيع الموارد العامة، وعليه من حق الشباب المتعطلين في قطاع غزة أن يحصلوا على فرصهم في التوظيف في القطاع العام كما يحدث في الضفة الغربية.
وتطرق الدقران في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى ضرورة أن تجدول السلطة الفلسطينية الديون المتراكمة، لأن استمرارها ثقل على الأجيال المتعاقبة، مشيراً إلى أن كل حكومة تذهب إلى الاستدانة لتسيير أمورها وتلقي عبء التسديد على الحكومة الأخرى، بيد أن المتضرر الأول والأخير هو المواطن، الذي سيكون محرومًا من الاستفادة من الأموال التي تذهب للتسديد في الحصول على مشاريع تنموية.