لا زالت المقاومة الفلسطينية تسطر ملاحم بطولية ميدانية رغم مضي نحو 14 شهرا على بدء الحرب العدوانية على قطاع غزة، وتكبد جيش الاحتلال خسائر جسيمة تبطئ تقدمه، أظهرت قدرتها على استنزاف الاحتلال بحرب طويلة استعدت لها جيدًا.
ورغم الدمار الهائل الذي يسبق كل عملية اجتياح في شمال القطاع وجنوبه، يتخلله عملية تهجير للسكان وتطهير عرقي وقتل أي جسم يتحرك، إلا أن "المعجزة" التي تحير جيش الاحتلال هي الكمائن الناجحة التي تفاجئ قواته وتدمر آلياته، وكأنه يقاتل أشباحًا لا يراهم لكن يرى أصوات قذائفهم وعبواتهم وصواريخهم المنطلقة.
ويمثل اعتراف جيش الاحتلال بمقتل 30 جنديا في شمال غزة منذ بداية العدوان الأخير على محافظة الشمال في 5 أكتوبر/ تشرين أول 2024 مؤشرا على تكبده للخسائر، رغم أن الاحتلال اعتاد على إخفاء خسائره والتي قد تكون أعلى من الرقم المعلن بكثير مقارنة بحجم الفيديوهات الكثيرة التي تنشرها كتائب القسام لاستهداف مجاهدين لأرتال عسكرية متوغلة وتفخيخ مبانٍ وقصف مواقع قيادة وسيطرة.
عمليات ميدانية
ومن بين تلك العمليات تفجير مجاهدي القسام مبنى مفخخا في 26 نوفمبر الجاري استهدف مجموعة جنود أسفر عن قتلى وجرحى في صفوفهم، فضلا عن استهداف دبابتين بقذيفة الياسين 105 وعبوة شديدة الانفجار (شواظ) بمعسكر جباليا، وتدمير دبابة ثالثة بقذيفة P29، وضرب موقع قيادة في نتساريم بصواريخ "رجوم" قصيرة المدى، وتفجير عبوة بآلية عسكرية في بيت لاهيا، وجرافة D9 في حي تل الهوى جنوب مدينة غزة
وقبلها بيوم، تصدت المقاومة لقوة راجلة مكونة من 10 جنود داخل أحد المنازل في بيت لاهيا، باستخدام الأسلحة الرشاشة والخفيفة والقنابل اليدوية، واستهداف دبابة ميركفاه بشارع الحطبية ببيت لاهيا بقذيفة "الياسين"، واستهداف قوة مكونة من 10 جنود بقذيفة أفراد بمنطقة التوام شمال مدينة غزة.
وقصفت المقاومة قاعدة رعيم العسكرية بصواريخ "رجوم" ونفذت عملية مركبة في رفح باستهداف قوة مشاة هندسية مكونة من 5 جنود بقذيفة مضادة للأفراد، إضافة لاستهداف ناقلة جند بمنطقة الصفطاوي بعبوة شواظ، وفي 21 من نوفمبر أجهزت على قوة راجلة مكونة من 15 جنديا من مسافة صفر، وتديمر دبابا ميركفاة بقذيفة التاندوم غرب معسكر جباليا.
ومن ضمن العمليات البطولية استهداف دبابة وناقلة جند بقذيفتي "الياسين" غرب بيت لاهيا في 20 نوفمبر، وقبلها بيوم استهدفت دبابة بقذيفة الياسين، وجرى قنص خمسة جنود، واستهدف المقاومون قوة راجلة مكونة من 12 جنديا بقذيفة أفراد، وقصفت مستوطنة "سديروت" برشقة صاروخية كثيفة في 16 نوفمبر.
صعوبة في التوغل
ويعتقد الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد حاتم كريم الفلاحي، بأن العمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة تعيق بشكل مباشر تنفيذ الاحتلال لـ"خطة الجنرالات" التي يسعى الاحتلال من خلالها لفرض تقسيم القطاع إلى مناطق منفصلة.
وتعتمد "خطة الفقاعات" وفق تعبير الفلاحي على تقسيم القطاع إلى 4 مناطق مفصولة بمحاور عسكرية مثل محور نتساريم وكيسوفيم بهدف تفكيك تماسك المقاومة، مؤكدا أن استمرار العمليات المقاومة يعيق تنفيذ هذه الخطة خاصة مع الخسائر التي يتكبدها جيش الاحتلال.
وأشار إلى أن عمليات المقاومة شهدت تصعيدا ملحوظا بدءً من جباليا وبيت لاهيا شمال القطاع مرورا بحي الزيتون جنوب مدينة غزة وإلى رفح جنوب القطاع، مع استمرار التنسيق الميداني للمقامة، بالتالي يجد الاحتلال صعوبة في التوغل العميق نتيجة ارتفاع خسائره، مما يدفعه للاعمتاد على الوقت في محاولة لانهاك المقاومة تدريجيا.
لا حل إلا بصفقة
فيما يرى المختص بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش، أن الاحتلال يعتبر صمود المقاومة على مدار 14 شهرا أعجوبة، رغم الفتك والقصف والمذابح والحرمان والتجويع، وبات الاحتلال يسلم في أدبياته باستحالة القضاء على المقاومة وأن كل الأفكار المطروحة من حكومة نتنياهو بأن الخيار العسكري لاستعادة المحتجزين بات مستحيلا.
وقال أبو غوش لـ "فلسطين أون لاين": إن "كل الاقتراحات التي قدمت قبل شهر بخصوص هدنة لأيام مقابل الإفراج عن أسرى إسرائيليين وقضية الرشوة المالية لمن يدلي بمعلومات عن مكان المحتجزين، تثبت أنه لا حل له إلا بصفقة تلبي الجزء الأهم من مطالب المقاومة".
ويعتقد أن استمرار المقاومة بهذا الشكل وتنفيذ كمائن دلالة على أنها استعدت جيدا لحرب تمتد لفترة طويلة، من خلال ما يتم تصنيعه بغزة أو بإعادة تدوير بقايا صواريخ الاحتلال التي لم تنفجر، بالتالي أصبحت المقاومة ليست مجرد تنظيم معين، بل تعبير عن ظروف القهر والحصار، وهي وليدة الضمير الوطني والقناعة والإيمان في الحق بالحياة والحرية، وأن العمليات الفدائية لا تتوقف وليست بحاجة لبنية عسكرية كما يجري بالضفة.
وأشار إلى أن هجوم طوفان الأقصى فجأة الاحتلال، وأبدعت المقاومة بالاستمرار والصمود بهذا الشكل الكفاحي، بالتالي قد يستطيع الجيش الإسرائيلي احتلال جزء من القطاع لكنه لا يستطيع السيطرة عليه، بالتالي يلجأ للمذابح التي باتت متعمدة بعد كل انجاز تحققه المقاومة ميدانيا، التي يستطيع عدة أفراد منها مواجهة كل تشكيلات الاحتلال.
ولفت إلى أن المقاومة أبدعت عدة نماذج لم يجد لها جيش الاحتلال حلولا مثل قذيفة الياسين 105 وعبوة الشواظ والعمل الفدائي، والتي لم يكن يسمع عنها من قبل فضلا عن استمرار إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون والقتال المباشر والعبوات الناسفة، خاصة الياسين التي حطمت أسطورة الميركافاة ومدرعة "نامير".
ورغم أن قادة جيش الاحتلال كانوا يتوقعون انجاز المهمة في غزة خلال أيام أو أسابيع، بات الاعتقاد حاليا، وفق أبو غوش، أن الأمر بحاجة لعدة سنوات، كما أن الأطفال الذين عايشوا هذه المعاناة والمجازر بغزة سيكبرون ويتحولون لمناضلين قادرين على تجديد زخم المقاومة.
وعن قدرة الاحتلال على الدخول بمعركة لسنوات، أشار لشكوى قادة جيش الاحتلال لحاجتهم للاستراحة والترميم للقوات، خاصة بعدما جرى استدعاء قوات الاحتياط ثلاث أو أربع مرات، وأن بعض الجنود والضباط قاتلوا لأكثر من 200 يوم في غزة، بعدما انتزع جيش الاحتلال من هؤلاء حياتهم الطبيعية، وبات السؤال في (إسرائيل) حول سبب كل هذه المعاركة، التي تشن من أجل مصالح نتنياهو والائتلاف الحكومي المتطرف، مشيرا إلى أن قناعة 70% من الإسرائيليين باتوا يطالبون بوقف فوري للحرب.