فلسطين أون لاين

تقرير خيمة أحمد كعابنة في وادي القلط.. "دين ودنيا"

...
خيمة كعابنة في وادي القلط مزار ومقصد للزوار من داخل فلسطين وخارجها
أريحا/ غزة–فاطمة الزهراء العويني:

بأدوات تراثية يعود عمرها لعشرات السنين تبرز حياة البداوة داخل خيمة في "وادي القلط" الذي يعج بمظاهر الحياة البرية، في لوحة فنية يقدمها المختار أحمد كعابنة للزائرين.

فمنذ ثمانية أعوام خلت و"الخيمة البدوية" الخاصة بـ"كعابنة" مقصد للزوار من الداخل والخارج، إذ اعتمدتها وزارة السياحة والآثار بالضفة ضمن "مسار فلسطين السياحي" الذي يمتد من قرية رمانة قضاء جنين إلى "بيت مرسم" جنوب الخليل.

بعد تقاعد "كعابنة" من سلك التعليم معلمة لمادة العلوم، ظلّ حلم إعادة رسم ملامح الحياة البدوية التي نشأ عليها منذ نعومة أظفاره، متنقلاً مع أسرته بين محافظة الخليل ثم بيت لحم وأخيراً الاستقرار في أريحا، يشغل باله.

وبجانب بيته المبني من الباطون على الطراز الحديث في الوادي، يقيم كعابنة بيتاً من شعر الماعز يجسد بيت أجداده البدو ليحفظ التراث البدوي في عقول الأحفاد، ليكونوا امتداداً لأجدادهم، ويجمع بداخله محتويات من التراث البدوي الفلسطيني الأصيل، سواء عبر الشراء أو كهدايا له من مهتمين بجمع التراث.

ويعد "وادي القلط" أحد روافد نهر الأردن وأحد وديان الضفة الغربية إلى الجهة الغربية من أريحا وأيضا إلى الجهة الشرقية من سلسلة جبال القدس الخليل.

وسط الخيمة يطحن كعابنة القهوة الخضراء لضيوفه عبر "المحماس" ثم يحيلها إلى "المهباش"، وصولاً لوضعها في "الدلة" لصبها في الفنجان، يعيش معه الزائرون مذاقاً فريداً أضفته نار الحطب الموقد على باب الخيمة، في دلالةٍ على كرم المضيف وتقديره لضيفه.

ويعد كعابنة بيته البدوي "دينًا ودنيا"، والمقصد بـ"الدين" إكرام الضيف احتساباً لوجه الله تعالى، وهو من شيم العادات البدوية التي تكرم الضيف وتعينه على النوائب، ويقضي معهم وقتاً للسمر وتبادل الأحاديث، و"بيت دنيا" أي يتيح استئجاره بمبلغ زهيد لأي عائلة أو مجموعة من الأصدقاء تريد قضاء وقت جميل وهادئ في أحضان الطبيعة ليكون مشروعاً تراثياً اجتماعياً خاصاً.

خيمة كعابنة (5).jpg

مزار سياحي

ولجمال المكان والفكرة، اعتمدت وزارة السياحة والآثار الخيمة مزارًا سياحيًا، ما جعلها مقصداً للزوار من داخل فلسطين وخارجها، لكونها أيضاً تقع في وادي القلط الغني بالأديرة والينابيع والأماكن الأثرية.

وتحتوي الخيمة على ثلاث غرف مبنية وفق الطراز البدوي القديم الذي كانت تنقسم فيه الخيمة لقسمين هما: المحرم (للزوجة والأبناء)، والمضافة، فبين أعمدة الخيمة التي يطلق عليها البدو أسماء "الواسط" و"العامر" و"الأيد" و"المقدم" تقع غرفة المحرم التي يكون ملحقاً بها مطبخ يفصل عن بقية المنزل بحاجز قماشي يدعى "ستار".

أما بين أعمدة "الرجل" و"الميخر" و"المعند" و"الواسط" و"العامر" فتقع غرف "الشواديح" التي يستقبل فيها البدو ضيوفهم، لكن "كعابنة" فتح الغرف الثلاث للضيوف، لكونه لا يستعمل الخيمة لإقامة أسرته، كما يوضح.

خيمة كعابنة (4).jpg

خمسة فناجين

وفي داخل الخيمة يحتفظ "كعابنة" بأدوات تراثية كـ"دلال القهوة" أو "المعاليل"، فقد درج البدو على استخدام ثلاث دلال للقهوة هي: "الطباخ"، ودلة "التصفية"، ودلة "السكب" للأجاويد، حيث تغلي القهوة باستخدام الحطب ليلاً في فصل الشتاء.

ويشير إلى طريقة أساسية في صب وتقديم القهوة للضيف وهي حمل الفنجان باليد اليمنى و"الدلة" باليد اليسرى وهناك عدد للفناجين التي تقدم للضيف وهي خمسة فناجين تقدم على التوالي، وهي "فنجان الهيف" الذي يشربه صاحب البيت ليتأكد بأنها جيدة ومستساغة للتقديم، وفنجان "الضيف" ويقدم للضيف عند وصوله ترحيباً وكرماً، وفنجان "الكيف"، ويقدم للضيف عندما يحبها ويريد شرب المزيد.

أما فنجان "السيف" فيقصد به أن يصبح الضيف من أهل البيت وذلك بإظهار شهامته ونخوته إذا كان هناك أي حدث مع صاحب البيت بوجود ضيفه، وأخيراً فنجان "الحيف"، ويشربه الشخص الذي يأخذ على نفسه عهدا بتحصيل حق صاحب البيت ولا يسكت عنه، وذلك بعد أن يدعو صاحب البيت أبناء عشيرته وأهله، وهي عادة أصبحت مدحورة في الوقت الحالي.

خيمة كعابنة (2).jpg

أدوات تراثية

ومن الأدوات التي يحتفظ بها أيضاً صندوق العروس، فقد كان الناس البسطاء عندما تتزوج ابنتهم يلفون ملابسها وأغراضها ببطانية تسمى "صرة العروس"، أما الأغنياء فيزفونها بصندوق من الخشب يضعون فيه مستلزمات ابنتهم ويرفعه رجلان في أثناء خروجها من بيت أهلها، "لديّ في الخيمة صندوق يعود عمره لمئة وعشرين سنة".

وفي الخيمة أيضاً يحتفظ كعابنة بـ"المروجة" وهي قطعة مصنوعة من القماش مطرزة الجوانب ومعلق عليها بعض المرايا تضع فيها العروس إكسسواراتها وتعلقها في سقف عمود غرفتها في بيت الزوجية.

كما يحتفظ بـ"المغزل" الأثري الذي كان يعد أساس البناء لدى البدو قديماً، فكانوا يقصون شعر الماعز ثم عندما نجمع "كوماً كبيراً" منه تقوم بطرقه بالمطرق حتى يصبح طرياً، ثم "نبرمه" على المغزل ونعيد العملية حتى يصبح لدينا لفة كبيرة من الخيوط يمكننا استخدامها لبناء الخيام.

ويجمع "كعابنة" بين التراث البدوي وخبرته في العلوم، حيث يحتفظ بمتحجرات لحيوانات جعلت من الخيمة مزاراً لطلاب المدارس للاطلاع على هذه الحيوانات المتحجرة وعظامها، ما يساعدهم على فهم ما يدرسونه عن طرق التحنيط، بجانب احتفاظه بأعشاش للطيور كالحمام والعصافير.

وحول الخيمة يزرع كعابنة جزءاً كبيراً من النباتات البرية التي كان يستخدمها البدو في التداوي كـ"الشيح" و"القرنية" و"الزعتر" و"المردقوش" و"المسلمانية" و"اللمونية" و"الشيبة" و"اكليل الجبل" و"هداس".