فلسطين أون لاين

تقرير محمد أبو طعيمة.. "مسبع الكارات" مضى دون أن يحقق حلمه

...
خان يونس/ مريم الشوبكي:

 

في الحادي عشر من مايو/ آيار كان من المفترض أن يحتفل محمد أبو طعيمة من بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس، وها هو يرحل ليستريح من معاركة الحياة في سبيل البحث عن لقمة العيش.

محمد "مسبع الكارات" كان لا يقول "لا" لأي عمل مهما كان شاقًا، يلبي كل من ناداه للعمل أيًا كان طبيعته، فعمل في الزراعة، وفي مطاعم للمأكولات الشعبية، وجرب حظه في العديد من المشاريع… لم ينجح لكنه لم ييأس.

انتهى المطاف بمحمد (24 عامًا) في كشك صغير على جانب الطريق على مسافة قريبة من بيته يبيع المشروبات الساخنة لمن يمر، لا يمل الوقوف مواصلًا الليل بالنهار، من أجل كسب ضئيل يكفيه سؤال الناس عن حاجته.

كان محمد متواضعًا، راضيًا بكسبه القليل الذي كان لا يتعدى في بعض الحالات العشرة شواقل في اليوم، ويرفض العمل في الأراضي المحتلة عام 48م براتب 400 شيقلًا يوميًا، فقد ظهر في مقطع مصور انتشر بعد استشهاده على شبكات التواصل الاجتماعي وهو يستنكر ذلك، يقول فيه متسائلًا: "كيف أرضى بـ400 شيقل أجرة يومي لأبني بيتًا للمحتلين على أرضي؟".

ليلة استشهاده كان محمد يتصرف كالمودع، يقول أخيه منتصر الذي يصغره بعام "جاء إليه أصدقاؤه، وتسامروا مع بعضهم البعض في الكشك، وما إن انفض الجمع حتى همس في أذني الصبح سأستشهد، ودعا الله أن يرزقه إياها".

استيقظ محمد باكرًا صبيحة 10 مايو/ آيار وتوجه إلى كشك المشروبات الساخنة طالبًا الرزق رغم سخونة الأوضاع الأمنية في قطاع غزة، ومواصلة الاحتلال الإسرائيلي قصف العديد من البيوت الآمنة، والأراضي الزراعية، والسيارات.

يضيف منتصر لـ"فلسطين": "رافقت محمد في هذا اليوم، وجلسنا نتحدث مع بعضنا حتى الساعة الحادية عشر، جاءه اتصال من صديق له، ما إن سارا معًا مشيًا على الأقدام مسافة 15 دقيقة، حتى باغتتهما صواريخ طائرات الاحتلال الإسرائيلي، وأردتهما شهيدين على الفور".

سند الحياة

 

عود منتصر بذاكرته إلى الوراء لبضع دقائق، مستذكرًا وصية توأم روحه له: "اعتني بابنتي مها، أوصيك بها".

 

مها ابنة الخمسة أشهر لم تنطق كلمة "بابا" بعد، لن تكبر برفقة أبيها، ستكبر وتربت على كتف والدتها الحامل بطفل لن يرى أباه قط، وسيعيش على ذكريات سيرويها عمه "منتصر"، ووالدته عن أحلام أبيه.

 

عرف محمد بحسه الفكاهي، بشوش الوجه ضاحكًا، يحب أن يجمع عائلته وأصدقائه الذي يصل عددهم 70 شخصًا، ويذهب بهم بنزهة على شاطئ البحر، ويتسامرون حتى ساعات متأخرة من الليل.

 

محمد بالنسبة لمنتصر ليس أخًا فقط، بل سندًا له في أحلك ظروفه، يشد عضده به، يروي موقفًا لا ينساه في حياته: "في أحد الأيام ضاق بي الحال، ولم أتمكن من جمع قسط سيارتي، فطلبت من محمد أن يدبر لي المبلغ المطلوب، لم يكن يملك المال الكافي، ولكنه وعدني بذلك.

استطعت توفير المبلغ وسداده، وفي اليوم التالي أخبرني محمد أنه لم ينم ليله بسبب التفكير بمشكلتي، عن قلب الأخ أتحدث".

 

بجانب كشك المشروبات الساخنة، كان لدى محمد "جريل" يصنع عليه الكبدة، ويبيعها في سندويشات بأسعار زهيدة للناس.

 

كان لدى محمد أحلام كأي شاب في قطاع غزة، حالت الظروف الاقتصادية دون حصوله على عمل أو وظيفة، كما يخبر منتصر، فقد حلم محمد أن يمتلك مطعمًا شعبيًا خاصًا يصنع فيه الفول، والحمص، والفلافل، والكبدة التي كان ماهرًا في إعدادها.

المصدر / فلسطين أون لاين