يُعد "الجيش" الإسرائيلي أحد الأركان الأساسية التي تقوم عليها إستراتيجية الأمن القومي في الكيان الصهيوني، إذ يحظى برعاية واهتمام كبيرين من القيادة الإسرائيلية، بوصفه الذراع الضاربة "للدولة" والأداة القمعية التي يوُكل إليها تنفيذ الأعمال العسكرية المختلفة ضد الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه وفرض السيطرة عليها بالقوة، ما يمكّنه لاحقاً من استخدام تلك الأراضي كنقطة انطلاق إلى خارج الأراضي المحتلة لأداء وظيفته العدوانية ضد محيطه العربي والإسلامي.
ولكي يحقق هذا "الجيش" نجاعة في الأداء، جرى العمل على توفير كل ما يحتاج إليه من مستلزمات مادية ومعنوية، وتم التركيز على المؤسسة العسكرية أكثر من المؤسسات الأخرى التي تقدم خدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية، بل تم وضع هذه المؤسسات في أغلب الأحيان في خدمة المؤسسة العسكرية.
وقد عمل قادة الكيان الصهيوني على توفير الشروط اللازمة لبناء "الجيش" الإسرائيلي وتشكيلاته العسكرية، معتمدين في ذلك على الدعم الكبير واللامحدود الذي يحصلون عليه من الولايات المتحدة الأميركية، التي تمدّ "جيش" الاحتلال بأحدث المعدات التكنولوجية والأسلحة المتطورة والمساعدات المالية الضخمة.
وقد أدرك قادة العدو منذ اللحظات الأولى لاحتلال فلسطين أهمية قوة التشكيلات العسكرية التي يتكون منها "الجيش" في حسم أي معركة على مختلف الصُعد، وحرصوا على تزويد هذه التشكيلات بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة وتعزيز قدراتها الميدانية والعلمية، من خلال التدريب المستمر القائم على الحرفية والتخصص لتحقيق أفضل النتائج في أي معركة تخوضها.
كذلك، تُبذل جهود كبيرة على مستوى توفير الدعم المعنوي والنفسي للجنود، من أجل خلق دوافع عدوانية مستدامة تمكّنهم من البقاء في ميدان المعركة، إذ إن قسماً كبيراً منهم يشعر بأنَّه لا يحمل قضية عادلة، ولا يوجد لديه انتماء إلى أرض ليست له.
وفي أغلب الأحيان، تتعارض مصالح هؤلاء الشخصية مع العمل العسكري الذي يخرجون من أجله، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى حدوث حالات الانتحار في صفوف الجنود، إضافةً إلى التهرّب من الخدمة العسكرية، بسبب الخوف وعدم توفّر القناعة الكاملة لدى الجنود بالدور الذي يقوم به "الجيش".
وقد تجلّت هذه الحالة في "حرب لبنان الثانية" عام 2006، عندما لم يتمكن الجنود من خوض معركة برية، خوفاً من الاحتكاك المباشر برجال المقاومة في جنوب لبنان، وكذلك في العدوان على غزة 2008-2009، التي شهدت حالات انهيار نفسي لعدد كبير من الجنود الذين سيطر عليهم الخوف والرعب أمام مقاتلي المقاومة في قطاع غزة، الأمر الذي اضطر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في ذلك الوقت إلى تعيين حاخام مع كل وحدة قتالية، من أجل تشجيع الجنود وحثهم على القيام بالمهام المنوطة بهم.
ومن أجل معرفة واقع "الجيش" الإسرائيلي، والاطلاع على قدراته المادية والمعنوية في تشكيلاته المختلفة، سنقوم بتسليط الضوء على أهم الوحدات العسكرية والأمنية العاملة فيه، ولا سيما في هذه الفترة التي تشهد فيها الساحة الفلسطينية في مدن الضفة المحتلة ومخيماتها عمليات قتل واغتيال واعتقال تنفذها وحدات مختارة من هذا "الجيش"، إضافةً إلى عملها في ساحات أخرى خارج الحدود. جزء من هذه الوحدات يُطلق عليه اسم "القوات الخاصة"، وهي التي وقع على عاتقها تنفيذ المهام الرئيسية خلال السنوات الأخيرة.
وانطلاقاً من القاعدة القتالية التي تقول: "معرفة نفسك وعدوك تمكّنك من خوض 100 معركة من دون أن تُهزم"، سننشر في هذه السلسلة من المقالات كل ما يتعلق بتلك الوحدات والتشكيلات التي يمكن من خلالها معرفة تكتيكاتها وتشكيلاتها وما يمكن أن يسمح بإيجاد الوسائل المناسبة للتصدي لها والتفوّق عليها.
1- وحدة اليمّام
هي فرقة تدخّل سريع "SWAT"تابعة لجهاز الشرطة الإسرائيلي. تتلخص مهامها الأساسية في تنفيذ العمليات الخاصة، مثل "الإنقاذ، والاغتيالات الدقيقة، وملاحقة المقاومين وأسرهم"، وهي تشبه إلى حد كبير، سواء على مستوى قدراتها أو تدريباتها، "وحدة العمليات الخاصة" التابعة لرئاسة أركان "جيش" الاحتلال المسماة "سييرت متكال".
تم تأسيس وحدة "اليمّام" عام 1974 على يد الضابط حاييم ليفي، للتصدي لعمليات خطف المستوطنين، وهي واحدة من 4 وحدات تتبع ما يسمى قوات "حرس الحدود" (وحدات "الياماس"، و"اليمّاغ"، و"الماتيلان").
معظم عناصر الوحدة هم من جنود "جيش" الاحتلال السابقين الذين خدموا في وحدات القتال الخاصة، إذ إنَّ شرط الانضمام الأساسي هو أن يكون لدى العنصر خبرة لا تقل عن 3 سنوات في الوحدات الخاصة، مثل "لواء عوز" ووحدة "إيغوز" و"سييرت متكال" وغيرها.
يخضع الراغبون في الانضمام إلى وحدة "اليمّام" لبرنامج فحص وتدريب قاسٍ لا يتمكن معظمهم من تجاوزه. وبحسب تقارير سابقة، فإن 7 عناصر من أصل 800 مرشح نجحوا في الالتحاق بالوحدة عام 2007، فيما نجح 20 مرشحاً فقط من أصل 1500 عام 2016.
وتعدّ "اليمّام" من الوحدات التي تتمتع باستقلالية تامة عن باقي الوحدات، ويتم تجهيز أفرادها بمعدات وأسلحة متطورة، إضافةً إلى طاقم طبي خاص بهم. تنقسم الوحدة إلى عدة فرق تتلقى تدريبات منفصلة في معظم الأحيان، وأخرى مشتركة في أحيان أخرى، لزيادة التنسيق العملياتي في ما بينها.
هذه الفرق هي:
1- فريق الدهم والاختراق: يقوم بدهم البيوت والمباني التي يتحصن فيها المقاومون للسيطرة عليها، ومن ثم تنفيذ عمليات الاغتيال أو الاعتقال.
2- فريق "القرود": مجموعة من المقاتلين المتخصصين بمهارات التسلق والتزحلق والسقوط السريع.
3- فريق القناصة: يتكوَّن من عناصر لديهم دقة عالية في التصويب والقتل من مسافات ومديات قصيرة وطويلة، مجهزين ببندقيات قنص خاصة.
4- فريق المستعربين: من أخطر الفرق، إذ إن أفراده متخصصون في التمويه والانخراط بين الفلسطينيين للقيام باعتقالهم أو اغتيالهم. وقد شارك أفراد هذا الفريق في آلاف عمليات الاعتقال والاغتيال ضد المقاتلين الفلسطينيين، وهم يتميزون بصفات خاصة مثل: إتقان اللغة العربية بشكل دقيق مع التنويع في اللهجات بحسب طبيعة المنطقة التي يعملون فيها، والدراية التامة بالعادات والتقاليد الاجتماعية الفلسطينية، والقدرة على أداء الواجبات الدينية، ولا سيما الإسلامية.
5- فريق المتفجرات: يتعامل مع المتفجرات بكل أنواعها، ويعمل على تفكيكها وإبطال مفعولها.
6- الفريق الصامت: يختصّ بعمليات تحرير الأسرى وتطوير تكتيكات مواجهة المقاومين والمسلحين واختبار المعدات والأسلحة الجديدة.
لدى وحدة "اليمّام" 3 فصائل ميدانية هي "عوجين وأوفيك وكنعان". يتكون أول فصيلين من خليط يجمع الجنود العاديين وقوات المستعربين، فيما يقتصر الفصيل الثالث على قوات المستعربين.
ورغم استقلالية الوحدة في أداء عملها، فإنَّها تُنسّق مع الجهات الأمنية والعسكرية الأخرى، مثل شعبة الاستخبارات الخارجية "أمان" وجهاز الأمن العام "الشاباك"، والأخير يقوم بتزويد قواتها بالمعلومات الاستخباراتية الدقيقة، وخصوصاً في مدن الضفة الغربية. كما يستعين "الجيش" الإسرائيلي بوحدة "اليمّام" من أجل تنفيذ عمليات خاصّة مع وحداته المختلفة.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أنَّ وحدة "اليمّام" تشارك في العديد من المناورات والتدريبات المشتركة مع وحدات مشابهة في بعض دول العالم، مثل فرقة "GSG-9" الألمانية، و"SEA" الأميركية، و"GIGN" الفرنسية.
2- وحدة دوفدوفان "الكرز"
هي وحدة قتالية خاصّة تعمل في جميع الأراضي المحتلة مع التركيز في السنوات الأخيرة على الضفة الغربية. هذه الوحدة تعمل من دون توقف لمنع الأنشطة التي تقوم بها فصائل المقاومة.
في بعض الأحيان، تعمل وحدة "دوفدوفان" بشكل علني. وفي أحيان أخرى، تعمل بشكل سري من خلال فرق "المستعربين"، وهي تحافظ على مستوى عالٍ من النشاط، وتظل على أهبة الاستعداد العملي على مدار الساعة، إذ يقوم مقاتلوها بتنفيذ العديد من الأنشطة العملياتية، مثل الاعتقالات والاغتيالات وإفشال خطط المقاومة لتنفيذ عمليات هجومية...
تعدّ وحدة "دوفدوفان" من أنشط الوحدات في "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، وهي تشارك في العمليات العسكرية التنفيذية على مدار الساعة، سواء العمليات التي يتم التخطيط لها بشكل مسبق ضد هدف محدد أو العمليات التي تتم بناء على طلب عاجل من جهاز الأمن الداخلي "الشاباك".
تم تأسيس وحدة "دوفدوفان" عام 1986، بسبب الحاجة إلى تنفيذ أنشطة عملياتية قبل اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987. وقد تأسَّست بمبادرة من قائد المنطقة الوسطى آنذاك المقدم إيهود باراك - تولى لاحقاً رئاسة الحكومة الإسرائيلية - الذي كان يهتم بشكل كبير بإقامة وحدة تستخدم المستعربين لتنفيذ أنشطة محددة ضد رجال المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً في الضفة الغربية.
وقد تأسَّست هذه الوحدة من عدة فرق خاصة، إحداها وحدة الكوماندو الأكثر شهرة في الكيان الصهيوني، المسماة "شييطت 13"، والوحدة الأخرى هي وحدة "المظليين".
في بداية مشوارها، اعتمدت "دوفدوفان" في عملها على المستعربين فقط، إذ تم فرض رقابة صارمة على أسماء الجنود وصورهم حتى لا يتعرّضوا للخطر، وكي لا يتم الكشف عن إمكانيات الوحدة، ولم يُعلن عن تأسيسها في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلا بعد الإشارة إلى وجودها في وسائل إعلام عالمية وصفتها حينذاك بوحدة التصفية خارج إطار القانون.
تستمرّ الدورة التدريبية الخاصة بعناصر وحدة "دوفدوفان" 16 شهراً، ويخضع المقاتلون فيها لتدريبات مشابهة لتلك التي يتلقاها مقاتلو سلاح البحرية، إضافةً إلى العديد من الاختبارات والتدريبات القتالية الخاصة ذات المستوى المتقدم والنوعي.