كان لافتًا للغاية ما أعلنه "جيش" الاحتلال "الإسرائيلي"، قبل أيام، بشأن معاناته نقصًا في سلاح الدبابات خلال العملية العسكرية التي يشنها على قطاع غزة، إذ بدا هذا الإعلان مفاجئًا لكثيرين، ولاسيما أولئك الذين يتابعون ما يجري في شوارع القطاع الصغير وأزقّته، عن بعد، ولا يرون ما يحدث فيه إلا من خلال وسائل الإعلام "الإسرائيلية"، أو ما يُنقل عنها في وسائل الإعلام العربية والعالمية.
في حقيقة الأمر، يمكن تفهّم انخداع البعض برواية الاحتلال في خضم بروباغندا الإعلام الموجّه، والذي ساهم تساوق عدد من وسائل الإعلام مع الرواية "الإسرائيلية" في زيادة تأثيره، حتى إن أغلبية وسائل الإعلام لم تكبّد نفسها مشقة البحث والتحرّي في مضمون تلك الرواية، أو العمل على تفنيدها، بحيث انخرط بعض تلك الوسائل، سواء بقصد أو من دون قصد، في نقل المعلومات التي يريدها العدو، وسعى لتحويلها إلى ثوابت لا تقبل التشكيك أو التفنيد.
في السردية "الإسرائيلية" المستمرة، منذ "إنشاء" هذا الكيان في أرض فلسطين، قبل أكثر من سبعة عقود ونصف عقد تقريباً، كانت أسطرة "جيش" الاحتلال تتقدم على الحقيقة، وكانت الأكاذيب بشأن قوّته وجبروته تتفوّق على ما سواها من معلومات ودلائل، حتى إن الأمر وصل بكثير من الأنظمة العربية، بالإضافة إلى الشعوب، إلى الاعتقاد أن هذا "الجيش" لا يُهزَم، وأن هذه الدولة لا تُقهَر، وأن مجرد التفكير في خوض أي حرب، صغيرة كانت أم كبيرة معها، هو جنون محض، لن يُفضي إلا إلى مزيد من الهزائم، ولن يؤدي سوى إلى مزيد من الخسائر في الأرواح والإمكانات.
بعد أعوام من هذا الخداع الاستراتيجي، والذي حوّل الاحتلال إلى قوة مهابة الجانب، يخشاها الجميع، وينصاع لأوامرها معظم الأنظمة إن لم يكن كلها، بدأت الأحوال تتبدّل، والظروف تتغيّر، وظهرت هذه "الدولة " المجرمة بعد عدد من المعارك مع قوى محور المقاومة، على غير حقيقتها، التي أرادت إقناع الجميع بها، إذ انهار كثير من الثوابت، وسقط عدد من المبادئ، وباتت التوصيفات التي كانت تُطلق عليها كأنها فقاعة في الهواء، تنفجر مع سخونة الأجواء، وتندثر من دون أن تترك أيّ أثر.
في العدوان على غزة الصابرة والمكلومة، وما نتج منه من مواجهات عسكرية قاسية وغير مسبوقة، سواء في المدن والمحافظات الغزّية، أو في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، حيث المواجهة هناك على أشدّها بين حزب الله وسائر فصائل المقاومة من جهة، وبين العدو الصهيوني المسنود استخبارياً ولوجستياً من حليفيه الأميركي والبريطاني، من جهة أخرى، انكشفت سوءة "جيش" الاحتلال، وبانَ ضعفه وقلّة حيلته على مدار أيام وأسابيع من هذه الحرب المجنونة، بل لم تفلح كل أدوات الدعم، التي قُدِّمت إليه من حلفائه القريبين والبعيدين، في سدّ النقص القائم في صفوفه، سواء على مستوى الإمكانات البشرية، بحيث يعاني نقصاً في الجنود، كما لم يحدث من قبل، وهذا دعاه إلى اتخاذ قرار يقضي باستدعاء الحريديم إلى المشاركة في القتال، وهو الأمر الذي يمكن أن يترك تداعيات كارثية على المشهد الداخلي الصهيوني، أو على صعيد الإمكانات العسكرية، وخصوصاً سلاح المدرعات، وفيما يتعلّق بالقذائف المدفعية التي باتت تنضب من مخازن السلاح "الإسرائيلية".
ربما، بحسب رأي البعض، يأتي إعلان "جيش" الاحتلال بشأن نقص في الدبابات بهدف الضغط أكثر على نتنياهو لقبول صفقة تُنهي القتال، وتجنّب هذا الجيش المرهق والمحبط، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، مزيداً من الخسائر، إلا أن المتتبع لمجريات المعركة على الأرض يمكن له أن يرى بوضوح أن هذا النقص قائم فعلاً، ولاسيما أن سلاح الدبابات كان خلال أشهر الحرب من أهم الأسلحة التي استخدمها "جيش" العدو، واعتمد عليه بصورة أساسية لاقتحام قلب المدن والمحافظات، وزج في كل عملية هجومية بالعشرات منها في بيئة قتالية صعبة ومعقّدة، ومسرح عمليات أقل ما يُقال عنه أنه غير مألوف لجنود "جيش" الاحتلال، الذين لم يخوضوا منذ أعوام طويلة معركة بهذا الحجم، على الرغم من مئات المناورات التي أجروها في بيئة مشابهة لبيئة قطاع غزة.
بحسب معطيات كثير من المراكز المتخصّصة بتصنيف الجيوش، ومنها موقع "غلوبال فاير باور"، يحتل "الجيش" "الإسرائيلي" المركز العشرين بين أقوى جيوش العالم، سواء من حيث عدد الجنود، أو فيما يتعلق بالعتاد العسكري الذي يملكه، وهو يملك أيضاً قوة بريّة ضاربة تُعَدّ من العشرة الاوائل على مستوى العالم.
وبحسب الموقع، فإن الجيش "الإسرائيلي" لديه سلاح مدرّعات "دبابات وناقلات جند" من الأفضل على مستوى العالم، إذ يملك أكثر من 1560 دبابة، معظمها حديثة الصنع، من طرازَي ميركافا 4، وميركافا 5، واللذين تُعَدّان من أفضل الدبابات وأكفئِها على مستوى العالم، وهي تضاهي، وربما تتفوّق، بحسب بعض التصنيفات، على دبابات أبرامز الأميركية، ودبابات تي 72 الروسية، بالإضافة إلى 7500 ناقلة جند مدرّعة، من أنواع متعددة، مثل النمر وإيتان والبوما والشيزاريت وأوفك وغيرها.
في العدوان على غزة والذي يتواصل من دون انقطاع للشهر العاشر على التوالي، استخدم "جيش" الاحتلال نحو 50% من سلاح المدرعات لديه، وهو ما يعني مشاركة نحو 800 دبابة في الهجوم على القطاع، بالإضافة إلى أكثر من 3000 ناقلة جند مدرّعة.
ولولا جبهة الإسناد عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، والتي حشد لها الاحتلال نحو 30% من دباباته ومدرعاته، لوجدنا 80% من سلاح المدرعات الإسرائيلية داخل أراضي القطاع وعند حدوده الشرقية والجنوبية، مع الإشارة إلى إبقاء جيش الاحتلال نسبة 20% من سلاحه المدرّع في معسكرات الجيش في النقب وبعض المواقع العسكرية في غور الأردن، تحسباً لأي طارئ.
وحيث إن الضرر الكلي أو الجزئي، الذي أصاب الآليات الصهيونية، كبير جداً، وهو ما دفع جيش الاحتلال إلى التعبير عن ذلك من دون مواربة، فإن من المهم أن نعرف الأسباب التي وقفت خلف ذلك، وهل هي متعلّقة بالأسلحة المتعددة التي استخدمتها فصائل المقاومة في غزة فقط، أم أن للأمر علاقة بالتكتيك و"التكنيك "القتاليَّين اللذين لجأ إليهما المقاتلون أيضاً!
لكن دعونا فقط، قبل أن نجيب عن هذه التساؤلات، نتعرّفْ إلى جزء من أنواع الآليات التي استخدمها جيش الاحتلال في غزة، لنعرف حجم الضرر الذي لحق بمؤسسة الجيش في الكيان الصهيوني، وما المصير الذي سيواجهه في حال تفجّرت مواجهة شاملة على مستوى الإقليم، يواجه فيها جيش الاحتلال خصوماً أكثر قوة، وأسلحة أكثر فتكاً.
في الهجوم الواسع على قطاع غزة، استخدم جيش الاحتلال عدة أنواع من الآليات المدرّعة، والتي تملك إمكانات كبيرة، سواء على صعيد قوة النيران، أو فيما يتعلّق بالدروع التي تحمي الجنود من الإصابة بنيران الخصم.
1 - دبابة ميركافا 4: تُعَدّ الميركافا 4 من أوائل الدبابات في العالم التي تحتوي على نظام الذكاء الاصطناعي، إذ تم دمج هذا النظام بالنظام الآخر المعني بإدارة ميدان القتال، وتم إنتاج أول دبابة من هذا النوع في عام 2002، وتم تسليم أول نسخة عنها إلى جيش الاحتلال بعد ذلك بعامين.
تتمتع هذه الدبابة بدرع "معيارية" قوية جدا، ولديها نظام حماية متقدم ضد الصواريخ المضادة للدروع، كما تملك قاعاً سميكاً للتصدي للعبوات الأرضية التي تنفجر لحظة مرور الدبابة عليها.
على مستوى التسليح تملك الميركافا 4 مدفعاً رئيساً من عيار 120 ملم، يمكنه إطلاق عدة أنواع من القذائف، بينها القذائف المضادة للدبابات والتحصينات، كما تملك مدفعاً رشاشاً من عيار 7.62 ملم، ومدفعاً آخر من عيار 12.7ملم مركّباً على سطح البرج، وتبلغ تكلفة إنتاجها نحو 6 ملايين دولار للدبابة الواحدة.
2 - دبابة ميركافا 5: دخلت الخدمة في العام الماضي فقط، ويَعُدّونها في الصناعات العسكرية الإسرائيلية بمنزلة ثورة على صعيد صناعة الدبابات، بحيث تم تزويدها بنظام دفاع ضد الأسلحة المضادة للدروع يُعَدّ من الأكثر تقدماً على مستوى العالم، كما تملك أجهزة استشعار حديثة تمكّن الدبابة من تحديد الأهداف وشن الهجمات، أو تفعيل إجراءات الوقاية من دون تدخل من طاقمها، بالإضافة إلى تزويد قائد الدبابة بخوذة شبيهة بتلك التي يرتديها قائد طائرة F-35، والتي توفر له كل ما يحتاج إليه من معلومات. كما تملك الدبابات عيون "كاميرات" تعمل ليلاً ونهاراً، تمكنها من الرؤية بزاوية 360 درجة.
3 - مدرعة النمر "نامير": تُعَدّ مدّرعة النمر من أفضل ناقلات الجند على مستوى العالم، وتحظى بنظام حماية عالي الجودة، يتفوق على نظام الحماية في دبابات الميركافا 4، وبدأ إنتاجها عام 2006 باستخدام القاعدة الأساسية للميركافا، "الشاسيه"، ويبلغ وزنها نحو 60 طناً.
تملك مدرعة "النامير" تصفيحاً مضاداً للقذائف في منطقتها الأمامية، وتم تصفيح أسفلها على شكل الحرف V من أجل الحماية من الألغام الأرضية، كما تحظى بنظام حماية من نوع ""Trophy، وهو من أكثر أنظمة الحماية فعالية.
تملك "النامير" برج قيادة صغيراً، ومنظومة رشاش ذات تحكم عن بعد من عيار 12.7 ملم. ومن أجل تحسين الرؤية من قسم الإنزال تم تثبيت نوافذ مركبة تحت زاوية، يقع فوقها 6قواذف قنابل دخانية. كما تم تزويد الوحدة القتالية ذات التحكم عن بعد بجهاز توجيه هجين مع نظام رؤية ليلية قادر على التعرف إلى الإنسان على مسافة تصل إلى 2.5 كلم.
4 - مدرّعة إيتان: تُعَدّ إيتان، "الصامد"، أولَ ناقلة جند إسرائيلية تسير على عجلات، وبدأ إنتاجها في عام 2022، ودخلت الخدمة في العام الماضي بديلاً من ناقلة الجند القديمة M113، أمريكية الصنع، والتي ما زال جيش الاحتلال يستخدمها حتى الآن.
تستخدم ناقلة "إيتان " ثماني عجلات مخصصة للسير في الطرق الصعبة والقاسية، ومخصصة لنقل اثني عشر مقاتلاً، ويبلغ وزنها نحو 35 طناً فقط. وهو الأمر الذي يمكنها من الحركة بسرعة 95 كلم في الساعة، على خلاف ناقلات الجند الأخرى الثقيلة وذات الحركة البطيئة، إلى جانب تمكنها من صعود المنحدرات الشديدة بسهولة، وتجاوز الصخور الكبيرة وغيرها من العقبات الصعبة، ولاسيما في الجغرافيا الصحراوية والجبلية.
تملك المدرعة "إيتان" جيلاً جديداً من انظمة الحماية الفاعلة، وبرجاً محدّثاً مع طقم كامل من جميع الذخائر الضرورية في المعارك القتالية، إلى جانب وسائل استكشاف ومراقبة حديثة ودقيقة.
5 - مدرّعة شيزاريت، "أخزريت": وهي تعني بالعربية "المتوحشة"، وهي ناقلة جند مدرعة حاكت في صناعتها دبابات تي - 54 وتي - 55 السوفياتية، وبدأ إنتاجها في ثمانينيات القرن الماضي، وتحظى بدرع حماية سميكة تصل إلى 200 ملم، ويبلغ وزنها نحو 40 طنّاً.
تملك "أخزريت" برجاً يتمّ التحكم فيه عن بعد، وهو مزوّد في جزئه الأمامي بمدفع رشاش من عيار 7.62 ملم، بالإضافة إلى مدفعين آخرين من العيار في الجزء الخلفي من المدرعة، إلى جانب مدفع هاون من عيار 60 ملم مخصص لإطلاق القنابل المضيئة والدخانية، أو القذائف المضادة للأفراد، وهي على الرغم من وزنها الثقيل تستطيع السير بسرعة 65 كلم في الساعة.
إلى جانب ما تمت الإشارة إليه من دبابات وناقلات جند مدرعة، استخدم جيش الاحتلال دبابة الميركافا 3 التي خرجت من الخدمة قبل أعوام، بالإضافة إلى ناقلات البوما والـ M113 وهي قديمة جداً أيضا، بسبب النقص الشديد في الآليات الحديثة نتيجة ما تعرضت له من تدمير وإعطاب في معارك قطاع غزة، وفي الجبهة الشمالية أيضاً.
من جهتها، استخدمت المقاومة الفلسطينية عدة وسائل قتالية لتدمير تلك الآليات وإعطابها، والتي، على الرغم من أنظمة الحماية الحديثة التي تتمتّع بها، فإنها سقطت أمام أسلحة مضادة للدروع وعبوات ناسفة معظمها محلي الصنع. ومن أهم تلك الأسلحة ما يلي:
أولاً، الصواريخ المضادة للدروع
1 - صاروخ "الكورنيت": وهو صاروخ حراري موجه مضاد للدبابات من صناعة روسية، دخل الخدمة في عام 1998. يصل مدى هذا الصاروخ إلى نحو 5500 متر، وفي إمكانه اختراق تصفيح الآليات الثقيلة كالدبابات والمدرّعات بسبب السرعة الهائلة التي ينطلق بها، بالإضافة إلى تفاديه أنظمة التشويش الموجودة في بعض الآليات الحديثة، إلى جانب امتلاكه آلية إطلاق متطورة تمكّن الضّارب من إصابة الهدف بسهولة.
مشكلة الكورنيت الوحيدة هي ارتفاع ثمنه، إذ تبلغ قيمة الصاروخ الواحد نحو100 ألف دولار.
2 - صاروخ "السهم الأحمر": صاروخ مضادّ للدروع من صناعة صينية، وهو من الجيل الثاني لهذا النوع من الصواريخ، والذي أنتجه الجيش الصيني في نهاية ثمانينيات القرن الماضي. يتم التحكم فيه عن طريق سلك موصول بين الصاروخ وقاعدة الإطلاق كما هي الحال في صواريخ "المالوتكا"، وهو يحتاج إلى رامٍ ماهر حتى يتحكم فيه، وصولاً إلى إصابة الهدف. تبلغ دقة هذا النوع من الصواريخ نحو 90%، ويمكنه الوصول إلى مسافة تزيد على أربعة كيلومترات ونصف كيلومتر.
3 - قاذف "أر بي جي": تم إنتاج هذا القاذف في ستينيات القرن الماضي، وهو صناعة سوفياتية خالصة، وتم تصميمه ليكون سلاحاً مضاداً للدبابات والمدرعات، بالإضافة إلى تدمير التحصينات والدشم العسكرية.
يُعَدّ قاذف الآر بي جي خفيف الوزن، وسهل الاستخدام، ولا ينتج منه ردة فعل بعد الإطلاق، بحيث يمكن لضارب واحد أن يقوم بتذخيره وإطلاقه من دون أي عوائق أو مشكلات، وفي إمكانه الوصول إلى مسافة 700 متر كمدى فعال ضد الآليات، وإلى 1000 متر ضد التحصينات والمخابئ.
4 - قاذف "التاندوم": هو نسخة مطورة عن قواذف الآر بي جي سالفة الذكر، ويسمّى في بعض المراجع "آر بي جي- 29". ودخل الخدمة في الجيش الروسي في عام 1989. يمكن إطلاق نوعين من القذائف عبر قاذف "التاندوم "، الأول ضد الآليات، وهو من نوع PG-29V مزدوج، بحيث تخترق هذه القذائف في مرحلتها الأولى، ثم تنفجر داخل جسم الهدف في الثانية، اما النوع الثاني فهو من نوع TBG-29V، وهو مضاد للأفراد والتحصينات.
5 - قاذف "ياسين 105": قاذف مضاد للدروع من صناعة محلية، يحاكي مثيلاته من القواذف الروسية المشار إليها أعلاه، وهو يتمتع بتكلفة إنتاجه المنخفضة، وبخفة وزنه، وبسرعة الإطلاق الكبيرة، إلى جانب تمكّنه من اختراق الفولاذ المصفح بسمك 60 ملم.
أثبت كفاءة عالية في إعطاب الآليات "الإسرائيلية" وتدميرها في الحرب على غزة، وشكّل إحدى أهم مفاجآت تلك الحرب.
ثانياً، العبوات الناسفة
1 - عبوة "الشواظ": هي عبوة ناسفة مضادة للدروع محلية الصنع، يصل وزنها في بعض الأحيان إلى 40 كغم، وفي أحيان أخرى إلى أقل من ذلك كثيراً، بحسب طبيعة المهمة المراد تنفيذها عبرها.
يمكن لعبوة الشواظ اختراق 200 ملم من الفولاذ المصفح الذي يغطّي مساحة واسعة من هيكل الدبابات والمدرعات، وخصوصا عندما يتم وضعها أسفل تلك المركبات المدرّعة، وفي هذه الحالة تكون العبوات كبيرة الحجم، ويمكن تحويل بعضها إلى عبوات جانبية طبقاً لمسرح العمليات الذي لا يسمح في بعض الأوقات بزراعة العبوات الأرضية.
2 - عبوة "العمل الفدائي": هي عبارة عن عبوة ناسفة صغيرة الحجم وشديدة الانفجار من صناعة محلية، تم تطويرها من المقاومة الفلسطينية في الأعوام الأخيرة لمواجهة الآليات الإسرائيلية ذات التصفيح السميك.
يتم إلصاق العبوة بجسم الآلية بصورة مباشرة، ولا سيما في المنطقة بين البرج والقاعدة، ثم سحب حبل التفجير قبل مغادرة المكان بسرعة كبيرة، بحيث تنفجر العبوة تلقائياً بعد أقل من سبع ثواني من تفعيل الصاعق.
3 - العبوات البرميلية: وهي عبوات أرضية تتم زراعتها مسبّقاً تحت الأرض، وهي من أكثر العبوات الناسفة إحداثاً للضرر في هيكل الدبابات والمدرّعات، إذ إنها تحتوي على كمية كبيرة جداً من المواد المتفجرة، مثل مادتي الـ "TNT" و "C4"، ويمكن تفجيرها من خلال كثير من الوسائل، منها التفجير اليدوي أو السلكي، والذي تُستخدم فيه بطارية لتوليد الطاقة، والتي يتم إيصالها إلى صاعق العبوة من خلال أسلاك نحاسية في معظم الأحيان، أو من خلال التفجير اللاسلكي، إذ يتم تثبيت جهاز هوائي صغير موصول ببطارية لتوليد الطاقة اللازمة، ويتم تشغيله عن بُعد قد يصل إلى واحد كلم، عن طريق جهاز ريموت كونترول. وبالإضافة إلى هاتين الطريقتين يمكن تفجير العبوة الناسفة الأرضية عن طريق الضغط على صاعق التفجير فيها من خلال مرور ناقلة أو عربة عسكرية عليها، وغير ذلك من طرائق التفجير.
4 - العبوات الجانبية: يتميّز هذا النوع من العبوات بإحداثه ضرراً بالغاً في القوات المستهدفة، سواء كان من فِرَق المشاة، أو عربات مصفّحة.
وهي تشكّل كابوساً لقوات الاستطلاع والقوات الخاصة التي تتقدّم سائر القطاعات العسكرية، لتأمين الطريق أحياناً، ولفتح ممرات في عمق مناطق العدو في أحيان أخرى. في الغالب، تتمتّع العبوات الناسفة الجانبية بقوة اندفاع كبيرة، وخصوصاً أن العبوات المعدة لاستهداف الآليات والعربات القتالية تكون بعيدة نوعاً ما، نظراً إلى ظروف الميدان، أو الجغرافيا المزروعة فيها.
ويُفضَّل أن تتم زراعة العبوات الجانبية في أماكن ضيقة نسبياً، بحيث تكون المسافة التي تفصلها عن قوات العدو المراد استهدافها قصيرة إلى أقصى درجة لتكون الإصابة مؤثرة بالشكل المطلوب.
يتم توجيه الموجة الانفجارية في العبوة الجانبية في اتجاه الهدف، مع أهمية التركيز على تفجير العبوة، سواء بطريقة يدوية أو لاسلكية، أو عن طريق سلك الإعثار في الوقت الملائم، لأن أي تأخير أو تقديم في توقيت الانفجار قد يجعل العملية غير ذي جدوى.
بالإضافة إلى كل ما سبق، استخدمت المقاومة في غزة أنواعاً أخرى من القواذف والعبوات سنتحدث عنها لاحقا بإذن الله، وأدّت، بحسب اعتراف جيش الاحتلال، إلى حدوث نقص كبير في الآليات لدى هذا الجيش، وهو ما أدى بالتالي إلى مطالبات كثيرة، من قادة فرق وألوية، وحتى من وزير الحرب في الكيان الصهيوني، بضرورة توقف هذه الحرب، لأن استمرارها أو توسّعها ينذر بمزيد من الخسائر لجيش الاحتلال، الذي يعاني مشكلات كثيرة في مختلف الصعد.
ختاماً، نذكّر بأن وزير حرب العدو يؤاف غالانت قال، في خضم زيارة قام بها لتخوم قطاع غزة، مهدِّداً المقاومة الإسلامية في لبنان، إن الدبابات التي ستخرج من رفح بعد انتهاء المعركة فيها ستواصل مسيرها حتى تبلغ نهر الليطاني، وإنها ستعيد قوات الرضوان إلى ما وراء النهر.
قبل يومين جاءه الرد الحاسم من الأمين العام لحزب الله في كلمته بمناسبة ذكرى عاشوراء، حين قال إن جيش الاحتلال الذي يعاني نقصاً في الدبابات في غزة، لن يتبقَى له دبابات من الأساس في حال ذهب إلى معركة في لبنان!
تلك المعركة، التي تحذّر منها جهات كثيرة في "الدولة" العبرية، لأنها ببساطة ستتباين عن مثيلاتها من المعارك والحروب السابقة، ولن تؤدّي فقط إلى حدوث نقص في الآليات والدبابات، بل يمكن لها أن تشكل بداية انهيار "جيش" الاحتلال على الرغم من كل ما يملكه من إمكانات وقدرات.