تشهد منصات التواصل الاجتماعي حالة من الرفض الشعبي الواسع، عقب تداول تصريحات حول مقترح نقلته مصر إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس، يضع بند نزع سلاح المقاومة كجزء من شروط وقف حرب الإبادة الجماعيّة في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع المحاصر.
وعبّر ناشطون من مختلف البلدان العربية والإسلامية، عن استنكارهم الشديد لما اعتبروه محاولات مكشوفة لتفريغ القضية الفلسطينية من أحد أهم رموز قوتها وصمودها، والمتمثل في المقاومة المسلحة. وأكد العديد منهم أن طرح نزع السلاح في هذه المرحلة بالذات، بعد الفشل العسكري الإسرائيلي في غزة، لا يعدو كونه محاولة التفاف سياسي لتثبيت الاحتلال وتحقيق ما عجز عنه بالقوة.
الوسوم المناصرة للمقاومة تصدرت التريند في عدة دول، مثل #غزة_تقاوم، #لا_لنزع_سلاح_المقاومة، و#المقاومة_ليست_إرهابًا، حيث امتلأت الصفحات بآلاف التغريدات والمنشورات التي تُذكر بشرعية المقاومة الفلسطينية، سواء من ناحية القوانين الدولية التي تتيح للشعوب الخاضعة للاحتلال مقاومة محتليها، أو من منطلق الواجب الأخلاقي في الدفاع عن النفس.
وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، معتبرين أن هذه المطالب لا تعبّر فقط عن انحياز للعدو، بل تمثل خطرًا وجوديًا على القضية الفلسطينية. ورأى كثيرون أن تجريد المقاومة من سلاحها هو بمثابة نزع للغطاء عن المدنيين، وتركهم عُزّلًا في وجه آلة القتل الإسرائيلية، التي أثبتت مرارًا أنها لا تفرّق بين مقاتل ومدني.
فيما استمد آخرون مواقفهم الرافضة من "ذاكرة وطنية فلسطينية مشبعة بالتجارب المريرة"، لعل أبرزها ما جرى في بيروت عام 1982، عندما خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، بعد اتفاق رعته قوى دولية، تخلّت خلاله المنظمة عن سلاحها الثقيل. وبعد أيام فقط، وقعت واحدة من أبشع المجازر في تاريخ الشعب الفلسطيني: "مجزرة صبرا وشاتيلا"، وتركت ميليشيات لبنانية موالية لها ترتكب مذبحة دموية استمرت ثلاثة أيام، سقط فيها "أكثر من 3000 شهيد" من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين العزّل.
وأعاد الفلسطينيون وقتها النظر بمرارة في نتائج الرهان على الضمانات الدولية، معتبرين أن "نزع السلاح دون حماية حقيقية يعني فتح الأبواب أمام المجازر".
في هذا السياق، كُتبت العديد من التغريدات الغاضبة والمعبّرة، أبرزها، المدون خالد صافي، في منشور عبر صفحته بمنصة (X)، إن "من يطلب من غزة أن تنزع سلاحها، فكأنك تطلب من القلب أن يتخلى عن نبضه، ومن الأرض أن تتخلى عن جذورها، ومن الشعب الفلسطيني أن يسلّم رقبته بعد أن قدّم كبده!".
وأضاف صافي، أن وفد المقاومة في القاهرة فوجئ اليوم بأن المقترح المصري يحمل بندًا صريحًا لنزع سلاح المقاومة، حسبما ورد في الأخبار العاجلة على الجزيرة. لكننا نقولها كما قالوها هم تحت القصف، وتحت الركام، وتحت النار منذ 18 شهرًا: "نموت ولا تُنتزع البندقية من كتفنا".
وأعاد التذكير في تغريدة أخرى ما جرى من تجربة منظمة التحرير الفلسطينية حينما سلمت سلاحها واستغل الاحتلال ومليشياته ذلك في ارتكاب مجزرة محروعة بحق اللاجئين الفلسطينين العزل في المخيمات اللبنانية.
الصورة الأولى 26 أغسطس 1982:
— Khaled Safi 🇵🇸 خالد صافي (@KhaledSafi) April 14, 2025
خروج مقاتلي منظمة التحرير من بيروت، تحت أعين العالم، وبضمانات "دولية" لحماية المدنيين.
رُفعت الأعلام البيضاء، وسُلّم السلاح، وعلّقت الآمال على "عهود" لم تكن يومًا وفية.
الصورة الثانية 16-18 سبتمبر 1982:
مجزرة صبرا وشاتيلا.
مخيمات بلا مقاومة، بلا… pic.twitter.com/0n5s7c7XMd
كما قال الناشط الفلسطيني رضوان الأخرس، في منشور عبر صفحته بمنصة (X): "هذا لا يليق بدولة عربية (كبيرة) ولا بشعبها من باب أحرى، الصيغة التي جرى عرضها مؤخراً على المقاومة تتضمن طلباً صريحاً بنزع سلاح المقاومة وتسليم أسرى الاحتلال مقابل شاحنات مساعدات وهدنة مؤقتة دون إنهاء للعدوان والإبادة!، مضيفًا: هذا انحياز واضح للاحتلال ضد شعبنا المظلوم، هذا عقاب لشعب يبحث عن حريته وكرامته ويدافع عن أرضه وحقوقه ومسرى الرسول محمد ﷺ.
فيما أعاد نشطاء تصريحات سابقة، لمؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، يؤكد فيه على الرفض القاطع لكل المحاولات المتتالية على مر السنوات لانتزاع سلاح المقاومة.
شيخ المجاهدين يتحدث عن نزع سلاح المقاومة قبل ٢٥ سنة وكأنه يعيش بيننا..
استمعوا للمؤمن الذي ينظر بنور الله!
آمنتُ بالله.. pic.twitter.com/XeVlJddtrh— الحارث الحوراني (بعد الحذف)🔻 (@harethalhoranyX) April 14, 2025
فيما غرد الناشط بلال نزار ريان، بالقول: "أما اليوم فإن مطلب نزع سلاح المقاومة إن تحقق – لا قدّر الله – فلن يكون سوى بداية لحرب أشد من الحرب الحالية يليها طرح "صيغة جديدة" عبر الوسيط "النزيه" تتضمن تسليم المقاتلين تمهيدًا لمحاكمتهم، ثم ارتكاب مجازر في حاضنتهم الشعبية.
وأضاف ريان: "لتبدأ بعدها مرحلة التصفية الشاملة، من تدمير البنية الاجتماعية وتهجير الأهالي، إلى إعادة تشكيل المجتمع الفلسطيني بما يضمن لإسرائيل تدمير غزة وتفريغها وتحويل ما تبقى منها إلى كيان هش، مُدجَّن، فقير، بلا هوية ولا دور، لا وظيفة له سوى أن يكون شاهد زور على ما تبقّى من قضية قُضي عليها تحت مسمى "الهدنة" – لا قدّر الله..!".
أما اليوم فإن مطلب نزع سلاح المقاومة إن تحقق – لا قدّر الله – فلن يكون سوى بداية لحرب أشد من الحرب الحالية يليها طرح "صيغة جديدة" عبر الوسيط "النزيه" تتضمن تسليم المقاتلين تمهيدًا لمحاكمتهم، ثم ارتكاب مجازر في حاضنتهم الشعبية.
— بلال نزار ريان (@BelalNezar) April 14, 2025
لتبدأ بعدها مرحلة التصفية الشاملة، من تدمير البنية…
وطرح الكاتب أسعد طه تساؤلاً:
إذا كان سلاح المقاومة لا قيمة له ولا تأثير فلماذا يطالبون بتسليمه..
وإذا كان غير ذلك ..
فأي قائد مجنون يمكن أن يوافق على ذلك؟— Assaad Taha أسعد طه (@Assaadtaha) April 15, 2025
كما قال القيادي في جماعة "أنصار الله" اليمنية، نصر الدين عامر، إن "أمريكا تعلن عزمها تسليم دفعة كبيرة من الأسلحة والقنابل للعدو الإسرائيلي، وهناك من يريد نزع سلاح المقاومة، أي نفاق وفجور هذا.. ينزع سلاح الضحية ويعطى القاتل مزيد من السلاح".
أمريكا تعلن عزمها تسليم دفعة كبيرة من الأسلحة والقنابل للعدو الاسرائيلي .
وهناك من يريد نزع سلاح المقاومة ..!!
اي نفاق وفجور هذا ؟!!
ينزع سلاح الضحية ويعطى القاتل مزيد من السلاح ؟!!— نصر الدين عامر | Nasruddin Amer (@Nasr_Amer1) April 14, 2025
وبعد أكثر من أربعة عقود على تلك التجربة، ترفض فصائل المقاومة في غزة، أي مقترحات تُفضي إلى التخلي عن سلاحها.
وتؤكد أن هذا السلاح هو أداة ردع وليس هجوم، ويمثّل "الضمانة الوحيدة لحماية الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، في ظل غياب الدولة، وضعف المظلة الدولية، واستمرار الحصار والعدوان".
وتقول حركة حماس في تصريحات متكررة إن العبرة من مجزرة صبرا وشاتيلا يجب ألا تُنسى، خصوصًا في ظل تهديدات الاحتلال المتكررة بإعادة اجتياح القطاع، والحديث الإسرائيلي العلني عن "بدائل لحماس" و"تفكيك المقاومة" بالقوة أو تحت غطاء سياسي.
وفي فبراير 2020، صرح الشهيد القائد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أنذاك الوقت، أن "سلاح المقاومة الفلسطينية غير قابل أن يوضع في أي خطة أو تسوية"، وذلك في رد على مطالب صفقة القرن التي دعت إلى تفكيك سلاح الفصائل الفلسطينية وإعلان غزة منطقة منزوعة السلاح.
ويجمع الفلسطينيون أن هذه الموجة من التفاعل الشعبي بمثابة رسالة واضحة لكل من يراهن على تمرير مثل هذه الطروحات، التي لا تحظى بأي قبول شعبي، وتُعد تجاوزًا للثوابت الوطنية التي لطالما كانت المقاومة في صلبها.