تتبع دولة الاحتلال الإسرائيلية سياسة واضحة تجاه العائلات الفلسطينية المتجنسة في الضفة الغربية، تقوم على أساس عدم منحهم الهوية الفلسطينية وبالتالي عدم الاعتراف بهم كمواطنين فلسطينيين والعمل على طردهم إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
ولا تزال سلطات الاحتلال تهيمن على السجل السكاني للسكان الفلسطينيين في داخل أراضي السلطة الفلسطينية، وهي من تمنحهم بطاقات الهوية المُعنونة باسم "السلطة الفلسطينية" باللغتين العربية والعبرية، عبر دائرة الارتباط المدني "الشؤون المدنية".
وفي عام 1967 بعد احتلال (إسرائيل) للضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس، قامت بعمل تعداد للسكان في هذه المناطق، ومن وُجد فيها في أثناء التعداد وشمله التعداد حصل على بطاقة هوية تمكنه من الإقامة على هذه المناطق، أما من كان من أبنائها مسافراً فلم يحصل على بطاقة هوية ولم يسمح له بالعودة إلى منزله إلا وفق "تصريح زيارة" مؤقت.
هذه الفئة بالإضافة إلى حملة الجنسيات الأجنبية الذين تزوجوا بفلسطينيين يحملون بطاقة الهوية ويقيمون في المناطق الثلاث المشار إليها تقدموا إلى سلطات الاحتلال بطلبات للحصول على بطاقة هوية تحت مسمى "لم الشمل" إلا أن الاحتلال الإسرائيلي قنن منحها لهم حتى توقفت بشكل كامل قبل نحو ثلاث سنوات مع توقف المفاوضات بين السلطة ودولة الاحتلال.
وبالرغم من عدم حصول الفلسطينيين من حملة الجنسيات الأجنبية على بطاقة الهوية الفلسطينية، إلا أن آلاف الحالات جازفت ودخلت أراضي السلطة وفق تصريح زيارة، وبقيت فيها رغم انتهاء مدة التصريح، الأمر الذي يبقيهم تحت تهديد الطرد في أية لحظة.
ولتجنب الطرد فرض أولئك الفلسطينيون الإقامة الجبرية على أنفسهم والبقاء في مناطق سكناهم وعدم التنقل بين المدن والقرى خشية الإمساك بهم على أحد الحواجز الإسرائيلية، وبالتالي ترحيلهم إلى الخارج حتى يضطر الجزء الثاني من "العائلة" اللحاق بمن طرد في سياسة قديمة جديدة لتفريغ الضفة الغربية من سكانها الفلسطينيون.
خطوة أكبر
مدير وحدة الاستيطان في معهد أريج للأبحاث التطبيقية سهيل خليلية، أكد لـ"فلسطين" أن ما تقوم به سلطات الاحتلال هو بمثابة تمهيد لخطوة أكبر قد تتطور لاحقاً إلى درجة منع الفلسطينيين في أراضي السلطة وتحديداً الضفة الغربية وكذلك الموجودين في الداخل المحتل من ازدواجية الجنسية بينما تسمح بذلك للإسرائيليين.
وحذر خلال حديثه لـ"فلسطين" من أن تكون خطوة الاحتلال في ملاحقة حملة الجنسيات الأجنبية الذين اضطروا لدخول الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بموجب تصاريح زيارة وامتنعوا عن المغادرة، من أن تتحول إلى قانون أو نظام هدفه تفريغ الأرض من سكانها الأصليين.
وأوضح خليلية أن الذين اضطروا للإقامة بهذا الشكل من زوجات وأزواج مجبرون على الإقامة في مناطق سكناهم وعدم التنقل بين مدن الضفة المحتلة؛ لأنه في حال مرورهم عن أي حاجز إسرائيلي سيتم إلقاء القبض عليهم وترحيلهم إلى الخارج.
ولم يستبعد أن يكون تجديد التضييق على هذه الشريحة بسبب دفع عجلة المفاوضات الثنائية والتي حرمتهم من لم الشمل عبر الإدارة المدنية الفلسطينية التي كانت تتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق ذلك.
وأكد خليلية أن سلطات الاحتلال همها الأول هو تفريغ المناطق الفلسطينية من السكان بغض النظر عن المفاوضات وبغض النظر كذلك عن الخط السياسي الذي تنتهجه حكومات الاحتلال المتعاقبة، وكل ذلك بهدف قلب كفة التوازن الجغرافي والديموغرافي لصالح (إسرائيل).
تطهير عرقي
أما خالد منصور منسق الحملة الوطنية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلي والمهتم بمتابعة هذا الملف، أكد لـ"فلسطين" أن (إسرائيل) تمارس سياسة تطهير عرقي ضد الفلسطينيين أينما وجدوا، وأنها لتحقيق هذا الهدف تتبع أساليب مختلفة من بينها طرد حملة الجنسيات الأجنبية المتزوجين من فلسطينيين وفلسطينيات.
وبحسب إحصائيات رسمية قديمة، فإن نحو "55 ألف فلسطيني دخلوا الضفة الغربية وقطاع غزة بعد (اتفاقيات أوسلو)، لكن لم يحصلوا على تصاريح إقامة معترف به، والكثير تقدموا بطلب الإقامة بناء على أسس لم الشمل، لكن الاحتلال جمد إجراءات لم الشمل مع اندلاع الانتفاضة الثانية في 2000"، ثم استثنى بعض الحالات، قبل أن يغلق الباب نهائيًا بعد توقف المفاوضات.
وأوضح أنه في الضفة الغربية توجد مئات بل آلاف الحالات لفلسطينيين وفلسطينيات متزوجين من أقارب لهم في الأردن أو درسوا في الخارج وعادوا متزوجين ويحملون جنسيات مختلفة، حيث تتقدم زوجاتهم للاحتلال بطلب لم شمل للحصول على بطاقة الهوية الفلسطينية وبالتالي الحق في الإقامة وكل ذلك عبر الارتباط المدني.
وتابع: "لكن الاحتلال ومنذ توقف المفاوضات توقف عن إصدار لم الشمل والذي كان مقنناً للغاية، ومن ثم جدد ملاحقته لحملة التصاريح التي بناء عليها دخلوا الأراضي الفلسطينية"، مشدداً على أن هذه الحالات مهددة بالطرد في أي لحظة وأنها نتيجة لهذا التهديد تفرض على نفسها الإقامة الجبرية.
وأشار إلى وجود العديد من القضايا التي رفعتها بعض هذه الحالات عبر الارتباط المدني الفلسطيني للحصول على بطاقة هوية تمكنهم من الإقامة بأمان دون تهديد متواصل بالطرد في أي لحظة.
وبين أن الاحتلال الإسرائيلي ينظر إلى هذه الشريحة على أنها تقيم بصورة غير شرعية ويجب التخلص منها عبر تهجيرها، مشيراً إلى أن حل مشكلة هذه الفئة هو بيد الشؤون المدنية والسلطة الفلسطينية.
حرمان شامل
بدوره، أشار أحمد صلاح منسق الحملة الوطنية لمقاومة الجدار والاستيطان ببلدة الخضر، إلى أن الأمر لدى الاحتلال لم يقتصر على اعتبار الأجانب من حملة الجنسيات الأخرى فقط، بل إنه يعدّ الفلسطينيين والفلسطينيات المقيمين في الضفة أجانب.
وقال لصحيفة "فلسطين": "المشكلة التي يعاني منها حملة الجنسيات في الضفة الغربية هذ ذاتها التي يعاني منها فلسطينيو الـ48 المحرومون من زيارة ذويهم في الضفة الغربية"، شارحاً أن الزوج أو الزوجة إذا كانا من الضفة الغربية والأسرة تقيم داخل الأراضي المحتلة عام 1948 يعدّان أجنبيين وينطبق عليهما نفس ما ينطبق على الأجانب في الضفة الغربية.
وذكر أن مئات الفلسطينيين مهددون بالطرد لنفس هذه الأسباب في الضفة الغربية وفي الداخل المحتل، لافتاً إلى أن بعض العائلات تخاطر وتدخل إلى الداخل المحتل عبر طرق التفافية (تهريب) رغم ما فيه من مخاطر أثناء الوصول وبعده كونهم مهددين بالطرد في اللحظة التي يكتشف فيها أمرهم.