فيما تشهد الساحة الإسرائيلية حالة من الاستقطابات الداخلية، فإن الخلافات أخذت أبعادًا جديدة تتعلق بالتمييز ضد اليهود الإثيوبيين الذين يعانون من سياسة عنصرية تمارس تجاههم، واعتبارهم من غالبية الإسرائيليين بأنهم عناصر سلبية لا حول لهم ولا قوة، وقد باتت قصة مألوفة بعد أكثر من أربعين عامًا على أول عملية هجرة للجالية اليهودية الإثيوبية، لكنها اليوم تعاني من الفقر والعنصرية والنضال المستمر من أجل القبول الكامل في المجتمع اليهودي.
يعتقد اليهود الإثيوبيون أن المؤسسة السياسية تمارس ضدهم موقفا مشبوها، بجانب المؤسسة الدينية التي يتساءل أفرادها عن يهوديتهم، مما يجعلهم عرضة لعنف الشرطة، والتمييز في المدارس الخاصة التي ترفض قبول أطفالهم، ووجود مساوئ كبيرة في سوق العمل.
كما أنهم لا يتلقون معاملة متساوية، ويعانون من توقعاتهم المنخفضة، وقلة الفرص، والعنصرية، منذ بداية أول هجرة أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، التي جلبت ثلاثين ألفا عبر السودان ثم أديس أبابا عبر قطار جوي، لكنهم ما زالوا يعانون من الفقر والتمييز وغيرها من الصعوبات.
تمثلت بدايات الموقف الإسرائيلي تجاه أفراد الجالية الأثيوبية في الطريقة التي تعاملت بها حكومات الاحتلال في البداية، ورفضت الاعتراف بهم كيهود، وطرحت أسئلة كثيرة حول يهوديتهم، حتى أن استطلاعًا لمعهد الاستشارات والبحوث كشف أن 33٪ من الإسرائيليين أفادوا بأنهم لا يريدون أن يتزوج أطفالهم من إثيوبيين؛ ويشكك 22٪ في يهوديتهم، و16٪ لا يريدون العيش بالقرب من الإثيوبيين؛ ويعتقد 15٪ أن السماح بالهجرة من إثيوبيا كان خطأ؛ و10٪ ليسوا مستعدين للعمل تحت إشراف مشرف إثيوبي، و9٪ لا يريدون لأطفالهم التعرف على المجتمع الإثيوبي.
من جديد، تكشف دولة الاحتلال عن جانب من تمييزها العنصري، ليس هذه المرة ضد الفلسطينيين فحسب، بل ضد اليهود من أصل إثيوبي، مما أثار غضبهم، وإثارتهم للمقارنة القاسية بين تعامل الدولة وأجهزتها المختصة مع يهود أوكرانيا، وحملة التسهيلات المقدمة لهم، وبسرعة قياسية، أمام التباطؤ الحاصل في إجراءات استقدامهم، خاصة مع تأخير وزارة الخارجية استكمال المرحلة الثانية لهجرة قرابة 1500 يهودي إثيوبي بسبب رفض إرسال المطاعيم الصحية، وبدونها لن يتمكنوا من الوصول لدولة الاحتلال.
لا يتوقف اليهود الإثيوبيون عن اتهام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالتمييز ضدهم، وبينما يحصل يهود أوكرانيا على سجادة حمراء، ويهاجرون لدولة الاحتلال دون قيود، فلا يُسمح لليهود الإثيوبيين بالهجرة، وحين يهاجرون يكتشفون المزيد من التمييز بين يهود ويهود.
كل ذلك يؤكد تفشي حالة من التفكك الاجتماعي والتفسخ الداخلي فيها، مما دفعهم لتنظيم احتجاجات كبيرة في شوارع تل أبيب، أزاح النقاب عن معدلات الانقسام والتباين فيها، والتشظي لمجموعات متناقضة، وباتت كل مجموعة عرقية جغرافية تتجاهل تمامًا أي معاناة لأفراد المجموعة الأخرى.