لا يبعد الواقع بالضفة الغربية الذي يشهد حملات ملاحقة للناشطين والمقاومين من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية، وكذلك الاعتقالات والاقتحامات للمدن التي تنفذها قوات الاحتلال، عما جاء في الإعلام العبري بأن استمرار التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال لم يتوقف، وهو ما يكشف الغطاء، كما يرى محللون فلسطينيون، أن إعلان رئيس السلطة محمود عباس بشأن إيقاف التنسيق مع الاحتلال غير جدي.
وكانت مصادر إعلامية عبرية، كشفت أمس، عن استئناف التنسيق الأمني بين السلطة و"الاحتلال" مؤخرًا، وذلك مع تحفظ السلطة على الإعلان الرسمي عن هذه الخطوة.
ونقل موقع "المونيتور" العبري عن مصدر أمني إسرائيلي قوله: إنه "جرى استئناف التنسيق الأمني في الرابع من شهر آب/أغسطس الجاري، إلا أن السلطة ما زالت تتكتم على النبأ وترفض الإعلان رسميًا عن عودة المياه لمجاريها".
وأشار إلى أنه جرى استئنافه دون الاستجابة لمطالب رئيس السلطة محمود عباس بوقف اقتحامات جيش الاحتلال للمناطق الفلسطينية المصنفة "A" حسب اتفاقية أوسلو، والتي يدخلها كل ليلة بهدف الاعتقال.
وبين الموقع أن التنسيق الأمني يمثل هدفًا مشتركًا للسلطة و"الاحتلال" على حد سواء، وتزود أجهزة الأمن الإسرائيلية نظيرتها الفلسطينية بمعلومات حول جهات فلسطينية تخطط للمس بالسلطة والعكس صحيح.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية قد نفت قبل أسبوعين تجميد التنسيق، قائلة: إن "التنسيق لم يتوقف ولو للحظة والدليل هو استمرار الأمن الفلسطيني في تسهيل دخول الجيش للمناطق الفلسطينية دون اعتراض طريقه".
أربعة أدلة
وهناك أربعة أدلة على عدم وقف التنسيق الأمني، وفق المختص في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم، أولها أن من مظاهر وأعراض التنسيق الأمني هي حملات الاعتقال التي تشنها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة ضد النشطاء السياسيين، وهذه الحملة تواصلت.
وقال علقم لصحيفة "فلسطين": "إن الدليل الثاني أن حملات الاعتقال التي تشنها قوات الاحتلال زادت ولم تتوقف سواء بمنطقة (A)، أو ببقية المناطق، والثالث هي تصريحات قيادات بالسلطة التي أكدت عدم توقف التنسيق الأمني".
وأضاف: "إن الدليل الرابع على عدم وقف التنسيق أن تعاطي الاحتلال مع الواقع لم يختلف نهائيا عن ما قبل إعلان عباس وقف التنسيق"، مستدركا: "لو كان هناك وقف للتنسيق لتأثرت هذه الأحداث والإجراءات التي يمارسها جيش الاحتلال، إلا أنها استمرت بنفس الوتيرة بل زادت بمنطقة (A)".
وبين أن ما يجري على أرض الواقع يظهر أن قداسة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال لم تنتهك، وأن إعلان رئيس السلطة إبان أحداث المسجد الأقصى الأخيرة عن وقف التنسيق مع الاحتلال بكل المستويات كان برتوكوليًا، بهدف الاحتجاج على التهميش الذي تعرض له عباس من خلال التعامل الأردني الإسرائيلي المشترك بقضية أحداث الأقصى الأخيرة.
وأرجع المحلل السياسي، سبب تكتم السلطة على الإعلان عن عودة التنسيق الأمني، بأنه أمر مرفوض لدى الشارع الفلسطيني وخاصة أن الإعلان عن وقف التنسيق، تزامن مع حملة الاحتلال ضد المسجد الأقصى، وتشديد الخناق من قبل الاحتلال على الفلسطينيين بهدم المنازل ومصادرة الأراضي وحملات الاعتقالات.
فيمثل الإعلان عن عودة التنسيق الأمني، والكلام لعلقم، أمرا محرجا للسلطة لدى الشارع الفلسطيني، ويكشف الغطاء عن كل من تبنى موقف السلطة، ويعد فشلا ذريعا ليس في صالح السلطة أن تعلن عنه.
وأشار إلى أن التنسيق الأمني محكوم بتفاهمات أمريكية إسرائيلية إقليمية كأحد اشتراطات اتفاقية "أوسلو"، وأن استمرار الدعم المالي من الدول المانحة للسلطة، هو ببقاء التنسيق الأمني كاشتراط لبقاء السلطة، والأمر الآخر أن دول الإقليم تتهافت على التطبيع مع الاحتلال، متسائلًا: "فكيف ستوقف السلطة التنسيق في ظل هذا الوضع؟".
من جهته، الكاتب والمحلل السياسي عبد الستار قاسم، رأى أنه من السهل معرفة عودة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال من عدمه، مبينًا أن تصريحات المسؤولين بالسلطة تشير إلى أنهم يعتبرون أن وقف التنسيق الأمني هي مسألة مؤقتة، وأنهم لا يريدون التخلي عنه.
وأوضح قاسم لصحيفة "فلسطين"، أن دلائل استمرار التنسيق واضحة وليست سرًا؛ من خلال الممارسات على الأرض وملاحقة السلطة للمقاومين ومصادرة أسلحتهم، ومنع إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال والمستوطنين.
وقال: "لم نأخذ إعلان عباس عن وقف التنسيق بجدية، باعتبار أن التنسيق الأمني مبرر لوجود السلطة، وإذا كانت السلطة لا تريد القيام بمهامها الأمنية تجاه أمن الاحتلال، فهل لدى رجالات السلطة الاستعداد للتضحية بمصالحهم من أجل الشعب الفلسطيني؟".
وأشار إلى أن سبب عدم إعلان السلطة عن عودة التنسيق هو أن "دماء شهداء القدس" لم تجف، إذ إن الاحتلال يواصل اعتداءاته بهدم البيوت بالقدس، "إذ إنه ليس من السهل إعلان السلطة عن عودة التنسيق".