فلسطين أون لاين

تقرير "شتاء دافئ".. سبيل أهل القدس لتمكين فقرائها

...
أطفال في أحد شوارع القدس القديمة
القدس المحتلة- غزة/ هدى الدلو:

 

يمر الشتاء على القدس المحتلة هذا العام ليزيد من معاناة المقدسيين فوق ما يلقونه من قسوة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته الظالمة، ليترك هذا الفصل ندوبًا اجتماعية في البلدات المقدسية التي يستهدفها الاحتلال بالتهجير القسري.

الأمطار والثلوج التي كانت مصدر بهجة للعديد من المقدسيين لم تكن كذلك لآخرين، خاصة من يقطنون في منازل متهالكة يمنع الاحتلال ترميمها أو العمل بها، ما دفع فرق المتطوعين ولجان الطوارئ التي شكلت استعدادًا لأي طارئ إلى التداعي، وإنقاذ من أجبرتهم العاصفة الثلجية على طلب يد المساعدة.

"شتاء دافئ" إحدى المبادرات السنوية التي تنفذها جمعية الأقصى، لترميم البيوت التي لا يصلح العيش فيها شتاء، ومساعدة الأسر المقدسية بالأغطية الثقيلة والمدافئ والطرود غذائية، كما يخبر مدير المشاريع يزيد جابر.

ويوضح أن تلك المساعدات تقدم لمختلف أحياء المدينة القدس المهددة بالهدم والتهويد، في شعفاط وسلوان والشيخ جراح وكل ضواحيها، "لتعزيز صمود سكانها، وليعيشوا بعزة وكرامة، ويشعروا بأن هناك من يلامس معاناتهم ويسندهم في مختلف الصعاب والأزمات، ومنها أزمة الشتاء القارس".

ويقول جابر: "تساهم هذه المبادرات مساهمة كبيرة في تعزيز صمود أهل القدس وتمكينهم، في وجه الأزمات والتحديات التي تعيش فيها المدينة بفعل تضييقات الاحتلال عليهم".

ومنذ عام 1999 أطلق الاحتلال هجمة استيطانية لتهويد العديد من الأحياء المقدسية، ومن أساليبه في ذلك حرمان المقدسيين تراخيص البناء، أو ترميم البيوت القديمة أو توسيعها، بحجة وضع هذه البيوت تحت نظام الحماية، ومن يخالف هذا القانون يهدد بإخلاء المنزل بالقوة.

ويلفت جابر الانتباه إلى أن المقدسيين يعانون طيلة العام من غياب الخدمات الأساسية، التي يفترض بالاحتلال تقديمها لهم، فالمار بهذه الأحياء يرى بعينه المجردة أن شبكة الطرق وإشارات المرور، والمدارس والحدائق، والكهرباء والمياه وشبكة الصرف الصحي، والبنى التحتية المختلفة في هذه المناطق متهالكة جدًّا، أو غير موجودة.

ويضيف: "إن الجهات المستفيدة من المبادرات تشمل العائلات المتعففة، والفقيرة التي لا تجد لها قوتًا ولا مؤونةً، والتي أتى عليها حريق بسبب عوامل طبيعية أو فعل فاعل".

وفي حين لا تقدم السلطة الفلسطينية أي خدمات للسكان بدعوى أن اتفاقية أوسلو تمنعها من العمل في القدس؛ يؤكد جابر أن هذا الوضع يحتم على سكان القدس التكافل كلٌّ بقدر استطاعته.

ويعيش نحو 300 ألف فلسطيني في شرقي القدس، 75% منهم فقراء، فضلًا عن الاكتظاظ في الأحياء الفلسطينيّة، إذ يبلغ ستّة أشخاص تقريبًا للشقة ونحو 1.8 شخص للغرفة، تبعًا لمعطيات نشرتها ما تسمى "جمعية حقوق المواطن في (إسرائيل)" في ديسمبر 2021.

وينبه جابر إلى أن الضائقة الاجتماعية التي تعانيها العائلات المقدسية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالة الاقتصادية بعد فقدان كثيرين منهم مصادر رزقهم، والغلاء المعيشي الذي تمر به مدينة القدس تحديدًا، فضلًا عن الضرائب، خاصة ضريبة تحصيل المساحة (الأرنونا)، إذ يفرض الاحتلال من 100 دولار إلى 250 دولارًا شهريًّا على الشقق، تبعًا لمساحتها، وتتضاعف على المحال التجارية.

ويمضي جابر إلى القول: "إن الضرائب ما هي إلا وسيلة لفرض واقع صعب على المقدسي، وزيادة حالة التفكك الاجتماعي في أحياء القدس".

مضاعفة التكافل

من جهته يصف المختص في شئون القدس ناصر الهدمي حالة التكافل الاجتماعي بين أبناء شرقي القدس بـ"مميزة"، حتى إن بعض المحال التجارية المقدسية تخصص صناديق لأجل تقديم المساعدات، وكذلك المؤسسات، ويتخطى التكافل حدوده المادية بتقديم المحامين الاستشارات القانونية للعائلات التي تطاردها عمليات التهجير القسري.

ويذكر الهدمي أن الهدف من التكافل الاجتماعي والمبادرات سد ثغرة يحاول الاحتلال تعميقها، ليس لإجهاد المقدسيين اقتصاديًّا واجتماعيًّا فحسب بل نفسيًّا أيضًا، ما يقود إلى التخلي قسرًا عن الوجود في القدس.

ويقول: "تعبر حملات التضامن عن أخلاقيات وقيم يحملها أهل المدينة والشعب الفلسطيني الذي يعي قيمة التكافل والتضامن مع المتضررين، فتلك المبادرات تحمل أثرًا نفسيًّا لا يقل عن الأثر المادي، وإشعار المقدسي بالأمل الموجود، وأن هناك من يقف إلى جانبه ويشعر بوضعه".

وإذ يشير الهدمي إلى هدم الاحتلال 12 ألف مسكن، منها 7440 مسكنًا في شرقي القدس فقط، وتهجير 73 ألف فلسطيني منذ عام 1967 حتى نهاية أيلول (سبتمبر) 2021؛ يشدد على ضرورة استحضار المزيد من وسائل دعم صمود المجتمع المقدسي، قائلًا: "سواء أصغرت تلك المبادرات أم كبرت؛ إنها تسهم في الحفاظ على هوية المدينة أمام مشروع التهويد والأسرلة، وهذا الأمر يتطلب التكاتف، والعمل الجماعي، وتعزيز مفاهيم التكافل الاجتماعي".