وقف علي درباس على حدود أرضه في بلدة العيساوية شمالي شرق القدس المحتلة يصرخ: "ما في بديل عنها، مستحيل أفرط فيها لو راحت روحي وروح ولادي"، حيث صادرتها سلطات الاحتلال قبل أيام بدعوى إقامة حضانة عليها.
قبل عامين، تفاجأ درباس (65 عاما) بوجود لافتة على أرضه كُتب عليها: "مصادرة لبلدية القدس"، وحينما راجع البلدية صُدم بأن قرار الاستيلاء عليها منذ عام 1990 على أن تكون ساحة عامة، في حين ينوي الاحتلال حاليا إقامة حضانة.
قطعة الأرض التي لا تتعدى مساحتها 300م، هي كل ما يملكه درباس، ويدخرها لأبنائه الذكور الثلاثة ليتزوجوا ويبنوا بيوتا بها بدلا من السكن ببيوت الإيجار باهظة الثمن.
يقول لـ"فلسطين": "إذا صودرت هذه الأرض سيتدمر مستقبل أبنائي، فهم يُعوِّلون عليها، لكي يؤسسوا حياتهم، حيث أسكن في بيت يجاور الأرض، ويمنعني الاحتلال من بناء أي طابق فوق مسكني، يمنعنا من التوسع، ويُضيِّق الخناق علينا حتى نترك بيوتنا ليستولي عليها".
ويضيف درباس أن الاحتلال يدعي بناء حضانة على أرضه، في حين أن هذه المساحة الصغيرة لا تناسب مثل هذا المشروع، إذ سبق أن صادر قبل أعوام نحو 30 دونمًا، وبنى عليها مدارس ولم يكتفِ بذلك، ولا يزال يفتح فمه للمزيد من أجل تهويد القدس والاستيلاء على كل ما هو فلسطيني.
ورث درباس قطعة الأرض تلك عن والده الذي اشتراها في سبعينيات القرن الماضي، ويحمل تراخيص وطابو الأرض حتى اليوم.
ويلفت إلى أن حارة وسط البلد التي يعيش فيها، تعاني اكتظاظًا سكانيًّا كبيرًا، وأزمة مرورية خانقة، ولم يسبق للبلدية الاحتلالية أن وفرت موقفًا للمركبات التي تزاحم طريق المارة، ويضطر سكان الحارة إلى استخدام الأرض لصف سياراتهم.
بحسرة وألم يصف الوضع في بلدته، بأن الاحتلال يضع المقدسيين في دائرة مغلقة، فهم محاطون بالمستوطنات من كل جانب، ويُمنَعون من التوسع والبناء على أراضيهم.
توجه درباس إلى أكثر من محامٍ ليساعده في تقديم اعتراض على المصادرة في محكمة الاحتلال، ولكنهم رفضوا المضي بها بسبب صعوبة القضية، لكن الحاج الستيني يؤكد أنه سيواصل النضال وحده من أجل منع الاحتلال من مصادرة أرضه، لأنه يؤمن بالمثل القائل "ما حك جلدك مثل ظفرك".
مشروع زائف
يعلق معتصم الابن البكر لدرباس، آمالًا كبيرة على قطعة الأرض التي ينوي الاحتلال مصادرتها، حيث يعيش أوضاعا معيشية صعبة للغاية، من إيجار، وضريبة أرنونا، وفاتورتي الماء، والكهرباء، وينتظر اليوم الذي سيبني عليها بيته.
بدا صوت معتصم مشحونا بالغضب، مستنكرا ما تقوم به بلدية الاحتلال: "فجأة اهتموا بالمقدسيين ليبنوا لهم حضانة في حارة تعاني الاكتظاظ السكاني، وأزمة مرورية".
يضيف معتصم لـ"فلسطين": "300 متر هل تصلح لبناء حضانة تحتاج إلى مساحة خضراء يلعب بها الأطفال، في حين أن الحضانات التي يقصدها الإسرائيليون مبنية على مساحات كبيرة تُؤمِّن راحة للأطفال وأهاليهم".
ويضيف: "البلدية تدعي أنها تبني مشاريع لخدمة المقدسيين، أين هي من تعبيد الطرق، وإنشاء موقف لسيارات في الحارة، فالأَوْلى هو راحة المقدسي بتوفير أبسط الأساسيات له، ومن ثم البحث عن مشاريع تؤمن له الرفاهية، ولحظتها سأتبرع بالأرض بنفسي".
ويتابع معتصم: "أخي أصبح عمره 35 عاما، وإلى اليوم يرفض الزواج، حتى يبني بيتا له على أرض أبي، حيث يضطر الشباب المقدسي إلى استئجار السكن عند زواجه لان الاحتلال يمنعهم من بناء طابق منازل أهلهم، وبعد خبر المصادرة ضاع أمل أخي بالزواج والاستقرار".
ويبين معتصم أن والده يعاني مرض ارتفاع ضغط الدم، وزاد وضعه الصحي سوءًا بعدما علم بأمر المصادرة، في حين تقاوم والدته ورمًا خبيثًا في رأسها وتخضع لعلاج دائم.
ويوضح أنه يضطر إلى العمل نحو 14 ساعة، حيث يخرج من بيته من الساعة الخامسة فجرا وحتى السابعة مساء، وبالكاد يستطيع توفير قوت يومه، وسداد إيجار البيت الذي يصل إلى نحو 2000 شيقل شهريا.
وينبه إلى أن بناء حضانة في الحارة يزيد من الضوضاء، ويسبب إزعاجًا للسكان بسبب ملاصقة البيوت بعضها ببعض.
وتجد بلدية الاحتلال في العيسوية ما يُشبه "الكنز" في نظرها، تغرف منه ما تشاء من خلال الضرائب والغرامات، وعلى رأس ذلك المنازل التي ترفض البلدية منحها تراخيص، وتُبقي أصحابها بين خياري الهدم والبقاء في الشارع، أو دفع ضرائب باهظة سنويًا، في حين تمتنع عن توفير بنية تحتية تُعادل نصف أرزاق أبناء العيساوية المنهوبة من خلال الضرائب.
ومنذ احتلال العيسوية عام 1967، صودرت مساحات واسعة من أراضي البلدة المقدسية لمصلحة التوسع الاستيطاني، وبناء الشوارع الالتفافية والقواعد العسكرية، بلغت 7 آلاف دونم؛ أي 70% من أراضيها تم عزلها عن مركز البلدة بواسطة جدار الفصل العنصري.