في الوقت الذي تُعد فيه كرة القدم في العالم لعبة جماعية، فمن الطبيعي أن تكون قيادتها جماعيةً، وتخطيطها جماعيًا، وقراراتها جماعية، تهدف في النهائية إلى تحقيق التطور والتقدم، ومن ثم تحقيق نتائج إيجابية.
في فلسطين نصف المعادلة حقيقي، والنصف الآخر زائف، فاللعبة جماعية مثلها مثل كل دول العالم، ولكن فيما يتعلق بالقيادة فإنها منذ عام 2008 وحتى الآن لم تكن جماعية، لسبب واحد ووحيد لا ثاني له، هو العقلية التي يُدير بها الفريق جبريل الرجوب الاتحاد من النواحي الإدارية والفنية والمالية، وهذا بحد ذاته يُعد استخفافا بعقول الشارع الرياضي عامة، والقاعدة التي أتت به رئيساً للاتحاد خاصة.
هذه العقلية التفردية نابعة من ثقافة هذا الرجل الذي لا يرى أحداً غيره ولا يسمع صوتاً غير صوته، ولا يرى في أحد أنه قادر على القيادة، إلى جانب أنه يجمع حوله الأشخاص الذين يؤمنون بفكره وثقافته، ويؤمنون أنه "السوبر مان" الذي يعرف كل شيء والأكثر وعياً وإدراكاً بتفاصيل الرياضة عامة وكرة القدم على وجه الخصوص.
ولتأكيد صدق وواقعية ما نقوله من الناحية المهنية والمنطقية، فقد أثبت هذا الرجل ما كان ثابتاً عند الجميع أنه متفرد ودكتاتور القيادة، وهذه صفات وسمات وطبيعة تركيبته المهنية بعيداً عن الأمور الشخصية، لكوننا نتحدث عن شخصية عامة تتولى كل المناصب الرياضية في فلسطين.
ففي الدورات الانتخابية الأربع السابقة لاتحاد كرة القدم لم تُجرَ الانتخابات سوى مرة واحدة بوجود منافسين، على حين أقيمت الدورات الثلاث الأخرى بنظام التعيين، سواء كان ذلك خوفاً من نتائج المنافسة، أو عدم قناعة بنتائج وإفرازات صندوق الانتخابات.
ففي الدورات الأربع التي تولى فيها رئاسة الاتحاد بما فيها الدورة التي خضعت لصندوق الانتخابات، مارس الرجوب أسلوب التفرد وأحادية الفكر والقرارات، دون مراعاة الحد الأدنى من شخصية وفكر زملائه أعضاء الاتحاد، وهناك أدلة كثيرة على ذلك.
ولعل أبرز تلك الدلائل، أنه وبعد كل عملية تعيين للأعضاء، كنا نسمع عن أسماء أعضاء اتحاد كرة القدم قبل التعيين ولا نراهم بعد انتهاء العملية الانتخابية الوهمية، إذ إن 90% منهم لا يدخلون في مقر الاتحاد ولا يُشاركون في الاجتماعات على مدار مدة كل دورة انتخابية التي تُقدر بأربع سنوات، إلا ما ندر مع عضو أو اثنين على الأكثر، بل حدث أن منع الرجوب عضو الاتحاد كمال أبو الرب من دخول مقر الاتحاد على ضوء خلاف مع شقيقه جمال المعروف بـ"هتلر"، خالطاً الأمور الشخصية بالأمور المهنية.
وتقتصر قيادة الرجوب للمنظومة الرياضية على ثلاثة موظفين من بينهم الأمين العام، وهم من يُديرون غالبية لجان الاتحاد مثل المسابقات والمنتخبات وشؤون اللاعبين وغيرها، حتى لجنة الحُكام كان يُديرها موظف في ظل وجود رئيس "صوري" للجنة، وهو ما ترتب عليه الكثير من الأخطاء والكوارث التي شهدتها بطولات الدوري في الضفة الغربية.
وعلى الرغم من أن أعضاء الاتحاد في غزة هم أعضاء منتخبون أو معينون، فإنهم يعملون بالنظام الجماعي من حيث انتظام دورية الاجتماعات الأسبوعية، إلى جانب المهنية في عمل واجتماعات وقرارات اللجان المختلفة، ويُناقشون كل القضايا على الطاولة، ويخرجون بقرارات جماعية، سواء كانت صائبة أو يعتريها الخطأ، وهو أمر طبيعي في العمل البشري، وهذا يُحسب لكل أعضاء الاتحاد ولجانه في غزة، بالرغم من عدم توافر الحد الأدنى لهم من مقومات العمل والاستقرار، فالقاعدة الأساسية لعملهم هي مركزية القيادة وديمقراطية القرارات.
وإذا ما قارنا فترة ما قبل الرجوب بما بعدها، نجد أن اللواء أحمد العفيفي الرئيس السابق للاتحاد حتى عام 2008، كان يقود الاتحاد جماعيا على الرغم من النفوذ القوي له لكونه مديراً لجهاز المخابرات.
كما أن الثقافة التي كان يتحلى بها العفيفي، قبوله بنتائج الانتخابات التي لم تشهد وأن حصل في أي منها على أعلى الأصوات، ومع ذلك كان يُصر على إقامة الانتخابات في موعدها دون تأجيل أو تأخير، وكان يُبارك للفائزين المتقدمين عليه بعدد الأصوات، ويُواسي الذين لم يُحالفهم الحظ، ناهيك بأنه كان يحظى بإجماع الجميع على رئاسته للاتحاد بالرغم من فتح باب الترشح لأي منافس دون ممارسة الضغوطات عليهم مثلما حدث عندما جند الرجوب كل الأدوات الحزبية لمنع النائب جهاد طملية من الترشح أمامه على منصب الرئاسة في انتخابات عام 2008.
اللواء العفيفي كان مؤمناً بالديمقراطية ونتائجها، ولم يحتقر من تفوق عليه في عدد الأصوات، على العكس تماماً ممن كان ولا زال يخشى الانتخابات، ولا يؤمن بها لكونه يعلم أنه لن يحصل على المنصب إلا بالتعيين، وإلا بأصوات من خدعهم في البدايات واكتشفوا حقيقته في النهايات.