قبل 21 عامًا من اليوم أصدرت بريطانيا قانونًا لمكافحة الإرهاب، وأدرجت آنذاك كتائب القسام (الجناح العسكري) لحركة المقاومة الإسلامية حماس على قائمة الإرهاب وذلك تماهيًا مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، على خلفية نشاطها العسكري في انتفاضة الأقصى، غير أن وزيرة الداخلية البريطانية الحالية برتي باتيل جاءت لتكمل ما بدأته حكومة طوني بلير آنذاك، فأعلنت أن حركة حماس بجناحيها تنظيم إرهابي، ليس ذلك فحسب، بل إن كل من يدعمها سيعد مجرمًا وسيتعرض للعقوبة -السجن بحد أقصى 14 عامًا وغرامة مالية، وهذا الدعم يشمل التأييد وتبرير المواقف وارتداء ملابس أو رفع شعارات أو صور أو عقد اجتماعات مناصرة لها.
قانون الإرهاب الذي أصدره الاتحاد الأوروبي عام 2001 شمل حماس السياسية وجناحها العسكري، على عكس موقف بريطانيا الذي ظل حتى قبل أيام مفرِّقًا بين الجناحين السياسي والعسكري، بدليل أنه بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 فتحت بريطانيا خطوط اتصال غير مباشر مع الحركة، والتقى رئيس الوزراء آنذاك مع قياداتها والتقى كذلك مع خالد مشعل في عام 2015 في قطر، أعرب خلاله عن أسفه من استبعاد المملكة المتحدة ودول غربية أخرى حماس من طاولة المفاوضات ودعمها لإسرائيل، لكن الأمور تبدّلت في عام 2021 وأُصدرت القرارات بتغيير النظرة تجاه حماس، وأقر البرلمان الذي أغلبيته محافظون مؤيدون للاحتلال الإسرائيلي.
ولعل هناك دافعين أساسيين لهذا القرار، أولهما: هو الزيادة المطّردة للدعم الذي حظيت به القضية الفلسطينية في الدول الغربية، خاصة بعد الحروب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة والقدس وصمود الفلسطينيين فيها -كان آخرها معركة سيف القدس وما حققته من إنجازات- هذا الأمر شكَّل قلقًا كبيرًا لدى دولة الاحتلال الذي يحاول بكل الطرق أن يحقق انتصارات معنوية بعد الهزائم المتلاحقة الذي مُني بها على أرض الميدان، فيسعى بكل الطرق إلى أن يربط الإرهاب بالمقاومة بعد أن صُدِّرت صور الجرائم التي ارتكبها إلى العالم وأوروبا خاصة.
والثاني هو أن وزيرة الداخلية البريطانية قد خضعت لتأثير اللوبي الصهيوني الذي يغزو أمريكا بدليل أن التصريح جاء في أثناء زيارتها لواشنطن، خاصة بعد مطالبات بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور، وهو ما ظهر أيضًا في نشاط اللوبي ضد حركة المقاطعة الدولية على نشاط المنظمة في بريطانيا، ومارس ضغوطًا هائلة على حزب العمال للتخلص من زعيمه جيريمي كوربين بفعل مواقفه المناصرة للشعب الفلسطيني، ومن الممكن أيضًا أن الوزيرة تسعى لتقلّد منصب أعلى في الحكومة، فتحاول أن ترضي اللوبي مقابل أن تحصل على ما تريد.
لكن الذي لم تنتبه له وزيرة الداخلية أن هذا القرار جمّع كل الأطراف الفلسطينية حول حماس وخلقت إجماعًا على رفض القرار خاصة من سفارة السلطة ووزارة خارجيتها -على الرغم من أنها ستقتصر على مواقف كلامية-، إضافة إلى أن الأمم المتحدة أعلنت أنها ستستمر في التعامل مع السلطات القائمة في غزة، في إشارة إلى حماس.
وكذلك من الأمور التي لم تنتبه عليها أن قرارها لم يعجب الكثير من الأطراف البريطانية فقد نقل موقع ميدل إيست آي البريطاني عن بيتر ريكيتس الدبلوماسي البريطاني السابق ورئيس لجنة المخابرات المشتركة في عهد رئيس الوزراء السابق توني بلير، قوله إن حظر الجناح السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لن يغير السياسة الخارجية للمملكة المتحدة، وإن حماس يجب أن تكون جزءًا من حل سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كما أن الوزيرة لم تحسب حسابًا بأن قرارها كشف تأييد الفلسطينيين الواسع داخل فلسطين وخارجها لحماس، وكذلك التأييد على نطاق الدول العربية والإسلامية والعالم، وأن نفوذ حماس السياسي يمتد إلى ما هو أبعد من غزة والضفة الغربية، خاصة بعد معركة سيف القدس التي وقفت فيها شامخة أمام أكبر قوة في الشرق الأوسط.
أما القنبلة التي انفجرت في وجه الوزيرة من داخل حزبها، فقد صرح كريسبين بلانت النائب في مجلس العموم البريطاني عن حزب المحافظين بأن حماس تتمتع "بموجب القانون الدولي، بحق قانوني في المقاومة وإنه لا يمكن إدانة مقاومة الشعوب واستهدافها حين يكون لديها أهداف مشروعة بموجب القانون الدولي.
وبناء على ما سبق فإنه يمكن البناء على هذه المواقف من أجل إلغاء القرار الذي شهد بظلمه البريطانيون أنفسهم ناهيك ببقية العالم الحر، من خلال هذه الوسائل:
أولًا- مخاطبة الإعلام الغربي -بكثافة- وخاصة البريطاني باللغة الإنجليزية ومحاولة استنطاق شخصيات اعتبارية وأحزاب بريطانية، لتوضيح بأن حماس حركة تحرر وإظهار مظلوميتها وحقها في الدفاع عن نفسها أمام الاحتلال الإسرائيلي، وذلك لإثارة الرأي العام والضغط على أصحاب القرار.
ثانيًا- ممكن استثمار الأمر قانونيًّا من خلال المحاكم عبر محامين يوضحون إجحاف القرار خاصة أنه لم يُسجل على حماس أنها قامت بأي عملية خارج البلاد، ولم ترتكب في بريطانيا أي جريمة أو جناية، وكذلك لا يوجد لها أي اجتماعات، وعليه فإن تبرير الوزيرة لقرارها بحماية الجالية اليهودية ليس في محله.
ثالثًا- استنهاض الجالية الفلسطينية والعربية في بريطانيا ومحاولة الخروج في مظاهرات مناهضة للقرار وتنظيم ندوات وحوارات لتوضيح مظلومية الحركة باعتبارها جزءًا من الشعب الفلسطيني، وكذلك استغلال مناهضي القرار البريطاني.