من يتابع الإعلام العبري يجد ما يمكن تسميته (لعبة تبادل الأدوار) في العلاقة مع غزة بعد معركة (سيف القدس). انتهت المعركة إلى وقف إطلاق نار ما زال هشًّا، مع تعميق حصار الاحتلال لغزة. أشهر مضت على غزة بعد انتهاء المعركة تميزت بقسوتها على الحياة المدنية والتجارية، صاحبتها وعود من أطراف عديدة بالتخفيف المتدرج، وبحركة لوفود من مصر وقطر والأمم المتحدة، وعندما ضاقت غزة من استجابة العدو للوسطاء، قررت تسخين غلاف غزة، وتفعيل الإرباك الليلي، والبالونات الحارقة. وقالت بعد ذلك للعالم ولبايدن على وجه الخصوص جملة سياسية ذات مغزى جوهرها:
"لا علاقة بين إعادة الإعمار وملف الأسرى. ولا علاقة بين إعادة الإعمار وتداعيات المعركة العسكرية. الاحتلال ملزم فتحَ المعابر وإدخال البضائع بحسب القانون الدولي، ومباحثات التهدئة شيء آخر".
أمران كلاهما ساعد على إحداث انفراجة في المعابر وتخفيف الحصار: الأول الضغط الميداني الذي مارسته غزة على غلاف غزة، والذهاب نحو حافة الهاوية. والثاني تدخل بايدن بنصح بينيت بالفصل بين ملف الأسرى وإعادة إعمار غزة. وإن تخفيف حصار غزة هو في صالح تل أبيب في النهاية، لأنه يجب التفريق بين السكان وحماس، ولا يجب حصر السكان في خانة ضيقة، هذا ما قاله البيت الأبيض.
هذان الأمران دفعا حكومة الاحتلال إلى إدخال البضائع العالقة، مع وعد بمزيد مما يسمونه (التسهيلات؟!)، وهي في نظرنا واجبات بحدها الأدنى، مع فتح البحر للصيادين بمسافة (١٥) ميلًا.
ما دخل من بضائع من حيث النوع والكم غير كافٍ، لذا قررت فصائل المقاومة مواصلة الضغط على الغلاف في موسم الأعياد التي تبدأ بعد أيام. ومع ذلك تجد في الإعلام العبري من يحلل ويصرح بأن حكومة بينيت تشتري الهدوء بالتسهيلات؟! وأن حماس تمكنت من إفشال نتائج الحرب الأخيرة، وفرض قرارها على حكومة تل أبيب الضعيفة؟! الحكومة لم تقدم لغزة شيئًا مهمًّا، وما يدخل من المعابر يمثل الحد الأدنى، ويذهب الإعلام العبري لتضخيم ما يدخل والتعبير عنه بالتسهيلات غير المسبوقة، وهذا ما سميته في مطلع المقال بلعبة الأدوار التي تجيدها حكومة الاحتلال، ويجيدها رجال الإعلام عندهم؟!
نعم، دخلت بضائع لغزة وعاد الصيادون للبحر، ولكن لم تعد غزة للحياة الطبيعية، وتعيش غزة حالة من أسعار عالية ومرتفعة للسلع، ما يعني أن ما دخل قليل من قليل، وليس من كل الأنواع، غزة ستواصل طريقها للحصول على حياة كريمة ومستقرة، ولن تلتفت للعبة الأدوار السخيفة، وهي وإن كانت تقبل بتهدئة طويلة الأمد بشروطها الفلسطينية، فإنها لا تنسى أن قضيتها هي زوال الاحتلال، وتحقيق السيادة، وحماية القدس، وتقرير المصير.