في غمرة التهديدات العسكرية التي تواجهها دولة الاحتلال، يعاني مجتمع الاستخبارات الإسرائيلية جملة تحديات محيطة به، بعضها غير مسبوق، دفعت الإسرائيليين إلى الدعوة لإجراء فحص دقيق لها، وتتبع آثارها المستقبلية على أمن الدولة.
تزداد أهمية الحديث عن هذه التحديات في ضوء الشكوك التي تحيط بمدى قدرة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على تقييم المخاطر الأمنية التي تهدد دولة الاحتلال، وإجراء تقييم داخلي للتنظيمات المسلحة المعادية، ومدى نجاعة لجان التحقيق بمعرفة أوجه الإخفاقات الأمنية التي تقع فيها أجهزة الأمن الإسرائيلية، وتحديات الأبحاث الاستخبارية التي تنفذها هذه الأجهزة.
وبذلك إن الحاجة باتت ماسة لمعرفة واقع الأنظمة السياسية المحيطة بـ(إسرائيل)، لا سيما التي لا تتمتع بالاستقرار السياسي، والكشف عن أوجه تنسيق أجهزة الأمن الإسرائيلية ونظيراتها في الدول المجاورة، وما تقدمه بعض الوسائل والمعدات لتوفير الأمن لـ(إسرائيل)، كالطائرات المسيرة دون طيار، والاستفادة من شبكات التواصل.
مع العلم أن عالم الاستخبارات الإسرائيلية مكون من ثلاثة مسارات أساسية، كل مسار مختلف عن سواه، أولها يتعلق بجمع المعلومات الأمنية والاستخبارية، وإجراء الأبحاث العملياتية، وتقييم الموقف لدى الخصوم والأعداء الذين يتربصون بـ(إسرائيل)، والهدف الأساسي للمسار يتعلق بتوفير المادة المعلوماتية الخام لدوائر صنع القرار في (إسرائيل) على المستويات التنفيذية كافة.
أما المسار الثاني فيتعلق بعمل رجال الاستخبارات الإسرائيلية أنفسهم، ومن ذلك وحدات جمع المعلومات، والمشاركون في الحروب الخفية، ومن ينشغلون بإعداد بنك الأهداف، ويتناول المسار الثالث تحديد المهام التي تقوم بها الوحدات السرية الإسرائيلية لتنفيذ هجمات أمنية داخل صفوف العدو، ومحاولات التأثير فيه، ومن ذلك خوضها الحرب النفسية.
لقد شهدت السنوات الأخيرة تحولات جوهرية في عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مع التطورات الجيو-سياسية، وما يتعلق بالعولمة، وتفكك بعض الدول المحيطة لاعتبارات إثنية وقومية، بجانب حالات الضعف التي أحاطت بالدول الأم، والاعتبارات الأمنية، والبنى الاجتماعية، والمسائل التكنولوجية، ومنها حروب السايبر والأقمار الصناعية.
كل ذلك أدى في النهاية إلى عثور الجماعات المعادية لـ(إسرائيل) من المنظمات المسلحة غير الدولانية على ثغرات يمكن الاستفادة منها، والتأثير من طريقها في جدول الأعمال الإقليمي والدولي، ما أدى إلى مخاطر محدقة بالأمن الإسرائيلي.
الخلاصة تشير إلى أن عالم المخابرات الإسرائيلية ليس لديه قيادة أو رأس أو مدير يديرها مجتمعة، وتفتقر للمؤسسات العامة، عدا لجنة رؤساء الأجهزة، التي تعد في بعض الأحيان جسمًا تنسيقيًّا بديلًا، لكنها على أرض الواقع تفتقر للصلاحيات والوصول بهذه الأجهزة إلى قرار الحسم.
وبذلك لا يوجد في مؤسسة الاستخبارات الإسرائيلية خطة عمل مشتركة، وليس هناك تنسيق في مجال بناء القوة بين الأجهزة الأمنية المختلفة، وأكثر من ذلك تفتقر هذه الأجهزة المكونة لعالم الاستخبارات للرؤية العامة التي تحدد بموجبها التحديات الماثلة أمام الدولة.