حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، سجَّل الدين العام المتراكم على السلطة في رام الله والمتأخرات أكثر من (8) مليارات دولار، وهو رقم مرتفع جدًّا له تداعيات جمة على إدارة السلطة للمال العام، والناتج المحلي الإجمالي وعلى الاقتصاد ككل، وسط تأكيد من مراقبين اقتصاديين أن التخبُّط الإداري والمالي الذي انتهجته السلطة منذ بداية تأسيسها هو من أوصلها إلى ذلك الفشل رغم إقرارهم بوجود تحديات أخرى مثل قرصنة الاحتلال الإسرائيلي المقاصة، وأزمة كورونا.
وحسب وزارة المالية في رام الله فإن إجمالي قيمة الدين العام والمتأخرات معًا بلغ (8.4) مليارات دولار بنهاية مارس الماضي، ويتوزع المبلغ بين (4.9) مليارات دولار على شكل متأخرات، وهي ديون بفائدة صفرية مستحقة على حكومة رام الله لصالح موظفي القطاع العام وللقطاع الخاص من موردين وهيئة التقاعد وأخرى، ونما إجمالي قيمة المتأخرات بنهاية الربع الأول من العام الجاري ارتفاعًا من (4.78) مليارات دولار مقارنة مع الربع الأخير من العام المنصرم.
أما الدين العام المستحق على الحكومة حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، فقد سجّل (3.5) مليارات دولار، بتراجع (2.9%) مقارنة مع الربع الأخير 2020 وزيادة (22.8%) على أساس سنوي.
الاستدانة نهج
وتشكل قيمة الدين العام والمتأخرات على الحكومة حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، نحو (61.7%) من الناتج المحلي الإجمالي عن سنة 2020 البالغ (13.6) مليار دولار.
يقول الاختصاصي الاقتصادي أسامة نوفل: إن السلطة اعتمدت منذ تأسيسها على الاستدانة، ودأبت على تعويض أي عجز في موازنتها من جانب الاستدانة سواء من الداخل أو الخارج، حتى أصبحت الاستدانة نهج في سلوكها المالي، واليوم تعاني السلطة تضخمًا في الدين في ظل محدودية الموارد وتراجع الدعم الدولي لخزينتها.
وأشار نوفل في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن استدانة السلطة نوعان: الأول من الخارج، وهو ذو أسعار فائدة منخفضة، والثاني الاستدانة من الداخل من البنوك وهو ذو فائدة مرتفعة.
ونبه إلى أنه عندما رفضت السلطة العام الماضي، أن تستلم أموال المقاصة منقوصة من الاحتلال الإسرائيلي، توسَّعت نحو الاستدانة المحلية ما أدى إلى ارتفاع الدين العام، ونسبة الفائدة، كما أنه في ظل تراجع الدعم الدولي لخزينة السلطة، تفكر السلطة بالعودة مجددًا لقرع أبواب البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية من أجل الحصول على ديون لتغطية نفقاتها المختلفة.
سندات خزينة
وعاب نوفل انتهاج السلطة الاستدانة قائلًا:" للأسف الشديد الاستدانة من البنوك أصبحت عُرفًا لدى السلطة، وهذا خطأ كبير جدًا، يفترض أن تتوجه السلطة إلى الاقتراض في أضيق الأمور، حاثًّا إياها إلى إصدار سندات خزينة لمساعدتها على تخطي أزمتها.
والسندات عبارة عن أوراق مالية ذات قيمة تلجأ إليها الحكومات والشركات للحصول على السيولة المالية لتغطية مشاريعها المستقبلية مقابل عوائد ربحية تُدفع للمشتري على المدى الطويل، ويختلف هذا العائد باختلاف الجهة المصدرة للسند وحجمها وملائمتها المالية، إذ تكون غالبًا حكومات وطنية ترغب بتنفيذ مشاريع حيوية لها مردود كبير كرسوم يدفعها المواطنون مقابل الخدمات المرجوة من هذه المشاريع.
من جانبه قال الاختصاصي الاقتصادي خالد أبو عامر: إن وصول الدين العام على السلطة إلى هذا المستوى الخطِر له عدة أسباب، من أحدثها أن الاقتصاد الفلسطيني لم يتعافَ من أزمة كورونا التي ضربت النشاطات الاقتصادية والتجارية، كما أن السلطة كانت معرضة لابتزاز الاحتلال وذلك بقرصنة أموال المقاصة بحجة دفع السلطة رواتب أسر الشهداء والجرحى.
وأضاف أبو عامر لصحيفة "فلسطين" إلى ذلك التراجع أيضًا ضعف الدعم الدولي، خاصة الأمريكي الذي يشكّل موردًا ماليًّا هامًّا، مبينًا أن تمويل الدول العربية لخزينة السلطة محدود جدًا منذ 3 سنوات، كما أن استئناف الاتحاد الأوروبي تمويله محل شك، فهل الاتحاد فعلًا يعاني ضائقة مالية بسبب تداعيات كورونا أم يعاقب السلطة على تأجيل لتأجيل الانتخابات ومناهضتها لحرية الرأي والتعبير؟
وأوضح أبو عامر أن ارتفاع الدين العام له أضرار على الاقتصاد، حيث إنه بسبب الدين تتوقف السلطة عن تنفيذ الخطط والمشاريع التنموية المقرة في الموازنة لعدم وجود رصيد كافٍ، كما أن رواتب الموظفين في القطاع العام وشيكات الشؤون الاجتماعية يبقى صرفها محل شك إن بقيت الأزمة على حالها.