تجري المحافل الإسرائيلية ما تقول إنها مقارنة بين ردود الجيش على البالونات المتفجرة من غزة نحو مستوطنات الغلاف، وذات الرد على الصواريخ التي يتم إطلاقها من لبنان.
ذات المقارنة الإسرائيلية تذهب باتجاه الإقرار على أن حماس بنت نفسها من العدم، وأثبتت مكانتها بفضل المقاومة، وحولتها لعملية ناجحة وقاعدة سيادية، رغم أن ذلك تحقق بثمن باهظ، وهي تتشابه مع تجربة حزب الله، الذي مر بهذه السيرة قبل عقدين، كما اشتهرت المنظمتان باختطاف جنود الاحتلال، وإطلاق سراح أسرى من السجون بصفقات تبادل، وفي كلتا الحالتين تحولت إلى ظاهرة مقلقة للاحتلال، بعد أن شكلتا منظمات ذات سيادة وسيطرة على بقاع جغرافية واسعة.
ولذلك قد لا يكون من قبيل الصدفة أن يكون العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة مؤخرًا متشابهًا إلى حد بعيد مع ما شهده لبنان في حروب سابقة مع (إسرائيل)، فقد اصطدم الطرفان ببعضهما، لكنهما لم يخرجا بنتيجة واضحة، وتعلم الحزب كثيرًا من الطريقة التي تعاملت بها (إسرائيل) مع حماس، ولذلك فإننا نشهد هذه الأيام إشارات اختبار الأعصاب على الحدود الشمالية، لكن اختلاف الاستراتيجية الإسرائيلية على الحدود مثير لطرح مزيد من التساؤلات.
ورغم أن الهدوء الأمني في الجبهة الشمالية ساري المفعول منذ 15 سنة، لكن السؤال يطرح عن السبب في عدم عجلة (إسرائيل) من أمرها للإضرار بتكثيف سلاح حزب الله في لبنان، ورغم سعي جيش الاحتلال لإقناع جبهته الداخلية بأن الهدوء الأمني في الجنوب مع غزة منذ الجرف الصامد في 2014 يدل على الردع، فإن وقوع الحرب الأخيرة أظهر أن (إسرائيل) وقعت في شرك "معادلة الصمت".
كل ذلك يؤكد، وفق الرؤية الإسرائيلية، أن الهدوء الأمني في غزة "مضلل ومخادع" من الناحية العملية، فقد عززت حماس قدراتها، وكذلك حزب الله الذي يظهر في 2021 مختلفًا عما كان عليه في 2006، ومع مرور الوقت، فإن جيش الاحتلال الذي بناه سوف يزداد قوة، وعليه سيكون الوضع في الجنوب مع حماس نسخة مكررة منه أيضًا، ولذلك فإن إطلاق الصواريخ من لبنان على الجليل الغربي، لا يكاد يحظى برد من جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعكس رده على صواريخ الجنوب.
هذه التطورات مربكة للغاية بنظر المنظومة الأمنية الإسرائيلية، التي تختار يومًا ما تجاهل البالونات الحارقة، ويومًا آخر تقلل الإغاثة لغزة، وثالثًا ترد على الهجمات بقوة، وفي يوم رابع تخفف الرد، ولذلك فإن الجواب الحقيقي عليها أنه لا توجد استراتيجية واحدة ضد حماس وحزب الله، ما يضع تحديات أمام المنظومة العسكرية الإسرائيلية أن تقرر لأي مدى هي مستعدة للذهاب بعيدًا معهما، لأن معادلة الردع ليست ناجحة في الوقت الحالي.