على مدار أكثر من مئة يوم رسم أهالي بلدة "بيتا" جنوب نابلس بالضفة الغربية المحتلة، لوحة تجسَّدت فيها كل معاني الصمود والثبات، حينما اعتلوا قمة "جبل صبيح"، ليقتلعوا المستوطنين الذين حاولوا احتلال ذاك الجبل بإقامة بؤرة استيطانية.
فرياح صمود أهالي البلدة وثباتهم جاءت بما لا تشتهي سفن المستوطنين الذين أردوا تحويل "جبل صبيح" إلى موطئ قدم لهم بزرع بؤرة "أفيتار".
و"جبل صبيح" منطقة زراعية تعود ملكيتها لفلسطينيين من القرى الثلاث "قبلان، يتما، بيتا"، ويقع في حوض قبلان جنوب مدينة نابلس، وهو امتداد طبيعي لسلسلة الجبال الساحلية بالمدينة وضمن أعلى قممها، إذ يبلغ ارتفاعه 570 مترًا.
عائلة المواطن عبد الفتاح حمايل الذي تجاوزت سنه السادسة والخمسين، كانت نموذجًا لصمود هذه العائلات التي ألقت كل انتماءاتها السياسية والحزبية بعيدًا، وتوحدت على أرض الميدان كـ"الجسد الواحد" بصدورها العارية دفاعًا عن "جبل صبيح" حتى كنس المستوطنين.
ومع كل إشراقة يوم جديد، يتجدد أمل المواطنين بكنس الاحتلال ومستوطنيه عن الجبل، مبتكرين أدوات شعبية للمواجهة، ففي النهار يرشقون الحجار، وفي الليل يلجؤون لفعاليات "الإرباك الليلي" المستوحاة من مقاومة قطاع غزة، لقض مضاجع مستوطني "أفيتار".
يقول حمايل في اتصال هاتفي بصحيفة "فلسطين"، إن أهالي بلدة بيتا سطروا كل معاني الصمود والقوة على مدار أكثر من 100 يوم، متسلحين بحقهم في ملكية الأرض وبعض الأدوات الشعبية البسيطة.
ويؤكد أن المواجهة مستمرة في وجه الاحتلال رفضًا لإقامة البؤرة الاستيطانية، مشيرًا إلى أن هذه المرة ليست الأولى، إنما الثالثة على مدار 5 سنوات.
ويضيف أنه في كل مرة يحتج المواطنون بشكل قوي ويتم إزالتها في غضون أيام قليلة، مستدركًا: "لكن هذه المرة كانت أكثر تطورًا، إذ إن المستوطنين وضعوا 35 بيتًا متنقلًا فوق الجبل، وهو ما أثار غضب الأهالي".
تلاحم شعبي
وأمام التلاحم الشعبي، تراجع الاحتلال، فبموجب اتفاق تسوية بين وزير جيشه بيني غانتس وقادة المستوطنين، وعبر مفاوضات سرِّيَّة، بدأ المستوطنون في إخلاء "مؤقت"، على أن تظل بيوتهم المتنقلة (الكرفانات) قائمة لتخدم جيش الاحتلال الذي سيقيم نقطة عسكرية دائمة في الموقع، وهو ما يرفضه المواطنون أصحاب الأرض الأصليون.
ويشدد على أن المقاومة الشعبية متواصلة في وجه الاحتلال على مدار الساعة وصولًا لدحر المستوطنين وإزالة بيوتهم كاملًا، خاصة أن أصحاب الأرض الأصليين موجودون ولديهم أوراق ثبوتية.
ولم يتراجع الاحتلال عن بؤرته الاستيطانية بطريقٍ مفروشٍ بالورود، بل فرش له أبناء القرية طريقًا مخضبًا بالدم، إذ ارتقى خمسة شهداء وأصيب المئات، رافعين راية المواجهة "مهما كانت الفاتورة التي سيدفعونها"، بحسب حمايل.
ينفض حمايل ذاكرته المكتظة بالأحداث وتفاصيل الحياة اليومية على قمة الجبل، ففي 11 يونيو/ حزيران الماضي، كانت العائلة على موعد مع ارتقاء ابنها الرابع محمد سعيد حمايل (15 عاماً)، في إثر اندلاع مواجهات بين الشبان وقوات الاحتلال.
ففي خضم المواجهات الثائرة، أطلق أحد جنود الاحتلال رصاصة غادرة من مسافة قريبة استقرت في قلب الطفل "حمايل"، لتصعد روحه إلى بارئها.
ويختم حديثه مكررًا أن "المواجهات مستمرة في بلدة بيتا، بكل أساليب المقاومة الشعبية إلى أن يتحرر الجبل بالكامل من دنس الصهاينة، وفي جعبة الثائرين المقاومين الكثير من الأساليب حال تعنت الاحتلال".