فلسطين أون لاين

تقرير هل فشلت حكومة رام الله في إنشاء البنك الحكومي؟

...
حكومة اشتية
غزة-رام الله/ رامي رمانة:

 

مطلع يونيو/ حزيران 2020 أصدر مجلس الوزراء في رام الله، قراراً بإنشاء بنك حكومي قال في حينه إن الغرض منه صرف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى بدرجة أساسية، فضلاً عن إدارة المال العام، ومضت الحكومة فيما بعد في اتخاذ أولى الخطوات العملية لإنشائه، فعينت بعد قرابة الشهرين مديرا عاما للبنك وهو بيان قاسم.

وصرح قاسم في أكثر من مناسبة بأن البنك لن يكون منافساً للبنوك التجارية الأخرى، وأنه سيقدم الخدمات للجهات الحكومية، إضافة لإدارة حسابات المنتسبين والمستفيدين من موارد الدولة، كالموظفين العموميين والمتقاعدين والشؤون الاجتماعية والأسرى والجرحى وما شابه.

لكن ما حدث أن قاسم أعلن أول من أمس استقالته من منصبه بعد مرور نحو عام على وجوده، وسط تضارب وراء أسباب الاستقالة، فمصادر حكومية ذكرت أن الاستقالة جاءت على خلفية اختلاف الرؤى ووجهات النظر تجاه آلية عمل البنك والرؤية المستقبلية له، وأن الحكومة تتجه لتحويل البنك إلى مؤسسة مصرفية والحصول على رخصة من سلطة النقد، في حين قال قاسم إن أسباب استقالته شخصية وخاصة به، وانتهاء العقد الموقع مع الحكومة.

قرار استقالة قاسم توقعه مراقبون اقتصاديون مسبقاً، بل ذهبوا إلى أن حكومة رام الله ستفشل في تطبيق الهدف الأساسي من وراء إنشاء البنك، مستندين إلى حالة الغموض المكتنفة بعمل البنك وتغيير اسمه أكثر من مرة، فضلاً عن اعتراض البنوك التجارية على وجود بنك حكومي يزاحمها في السوق.

يضاف إلى ذلك –حسب ما يرى اقتصاديون- أن تهديدات حكومة الاحتلال بعرقلة نشاط البنك بثت الفزع عند السلطة، فالاحتلال يعد وجود البنك تحدياً لمطلبه من السلطة أن تتوقف عن صرف مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى.

وبدأت فكرة إنشاء السلطة للبنك الحكومي عندما أصدرت سلطات الاحتلال أمرا عسكريا يقضي بملاحقة ومعاقبة كل الأشخاص والمؤسسات والبنوك التي تتعامل مع الأسرى وعائلاتهم، فعلى أثره نفذت بنوك عاملة في السوق الفلسطينية عملية غلق أحادية الجانب لحسابات أسرى ومحررين وذوي شهداء.

ووفق بيانات رسمية حكومية، يبلغ إجمالي عدد حسابات الأسرى وذوي الشهداء المصرفية، قرابة 25 ألف حساب.

يقول الاختصاصي الاقتصادي، د. نصر عبد الكريم، إن الصيغة النهائية لعمل البنك غير واضحة، فحين أعلنت السلطة عن إنشاء البنك قالت إنه سيكون تنمويا لإدارة الصناديق الحكومية، ثم تحول اسمه لبنك الاستقلال، ثم لبنك التنمية والاستثمار والآن الحديث عن تحويله لبنك تقليدي تجاري.

وأضاف عبد الكريم لصحيفة "فلسطين" أن ثمة تساؤلات عن البنك بحاجة إلى إجابة من المسؤولين في السلطة أو القائمين على إنشاء البنك بشأن الهدف الحقيقي من وراء إنشاء البنك، وهل سيكون دوره تنمويا اجتماعيا أو مصرفا تقليديا؟ وتحت أي ضوابط وبأي شروط سيعمل؟ والسؤال الأهم: من أين رأس مال البنك؟ هل من أموال الحكومة أو من مساعدات دولية؟

وعدّ أن البنك بحاجة إلى دراسة معقمة وخطط واضحة قبل الشروع الفعلي في إنشائه، لأن البنك قد يعرض أموال الحكومة لمخاطرة وبحاجة لتوضيح علاقته مع البنوك التجارية الأخرى، ناصحاً أن يتجه نشاط البنك إلى القطاعات والمشروعات الإنتاجية وأن يبتعد عن منافسة القطاع الخاص.

وأشار عبد الكريم إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يتبع النظام الاقتصادي الحر، وهو لا يعطي للحكومة الحق في أن تمتلك بنكا وشركة، وإنما أن يكون لها أذرع استثمارية لإدارة أموالها مثل الصناديق السيادية، مبيناً أن صندوق الاستثمار الفلسطيني اشترى أسهما في عدة بنوك وشركات كبيرة عاملة في فلسطين.

وعددت حكومة رام الله في تصريحات سابقة امتيازات سيمتلكها البنك الجديد، قالت في حينه إنه سيكون أول بنك رقمي متكامل في فلسطين، يقدم خدماته المصرفية والتنموية ويتعامل مع مصروفات الحكومة وإيراداتها، وسيبدأ عمله برأس مال 100 مليون دولار، وهي حصيلة عدة صناديق تنموية تديرها الحكومة، ستستعيض عنها بالبنك الجديد.

من جانبه قال الاختصاصي الاقتصادي د. أسامة نوفل، إن قرار حكومة اشتية إنشاء البنك من بداية الأمر خطأ ومتسرع، وإن القرار ينضم إلى القرارات غير المدروسة التي تقوم بها حكومة اشتية مثل محاولات الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال وفشلها في ذلك.

وأوضح نوفل لصحيفة "فلسطين" أن النظام المصرفي الفلسطيني مقيد باتفاق باريس الاقتصادي الذي ينص على أن توافق سلطات الاحتلال على أي بنك يتم إنشاؤه في الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى تسمح باستقبال وإرسال الحوالات والتعاملات المالية بينه وبين بنوكها وكذلك التعاملات مع الخارج، منبهًا إلى أن الاحتلال لن يعطي السلطة الفرصة أن تُنشئ بنكا لها يقدم تسهيلات ائتمانية لأسر الشهداء والجرحى والأسرى.

ورجح أن يكون رئيس البنك قاسم قد أقدم على استقالته لعدة أسباب، أولها أن البنك فعلاً يصطدم بعراقيل إسرائيلية، ثانياً تدخلات من شخصيات في السلطة ترغب في إزاحة البنك عن أهدافه، ثالثاً محاولات من مسؤولي بنوك تجارية متنفذه تريد إفشال البنك حتى لا يكون منافسا لها في السوق المحلي. 

وأكد نوفل أن السلطة رام الله لم تحقق الهدف الأساسي من إنشاء البنك وهو صرف رواتب ومخصصات الأسرى، فالاحتلال منع ذلك عبر المصارف المحلية، ومع ذلك يقرصن أموال المقاصة، والسلطة تقبل باستلام المقاصة مجتزأة، وذلك دليل على موقفها الضعيف.

المصدر / فلسطين أون لاين