تشهد الحدود مع قطاع غزة مفاوضات مباشرة من خلال النار. غزة تطلق على الغلاف بالونات حارقة للضغط على السكان، ومن ثمة على الحكومة لرفع الحصار المشدد وإدخال المنحة القطرية على الأقل. ودولة الاحتلال تقابل ذلك بقصف مواقع داخل غزة تعود للمقاومة لأجل الضغط عليها لوقف البالونات الحارقة، وأساليب الاحتجاج الخشنة التي تستهدف سكان الغلاف.
نحن إذن أمام حوار بالنار، كل طرف فيه يعبر به عن موقفه التفاوضي، وعن مطالبه، وهذا الحوار له احتمالان: الأول أن يستجيب الطرف الإسرائيلي لمطالب غزة في تخفيف الحصار، وإدخال مواد الإعمار وتسهيل وصول المنحة القطرية لمستحقيها من الشرائح الفقيرة. والاحتمال الآخر أن يتدحرج الحوار بالنار للعودة إلى المعركة تدحرجًا واسع النطاق. إذ يقول الخبراء وأصحاب القرار: إن بقاء الوضع الراهن على حاله غير ممكن بل هو مستحيل، لأن حياة السكان بعد الحرب تحتاج إلى تضميد، وهذا يتطلب معابر مفتوحة، وحركة إصلاح وإعمار.
دولة الاحتلال تقودها حكومة ائتلاف هشة من سبع أحزاب متخالفة في الرؤية والسياسة، ويتربص بها تكتل قوي بزعامة نتنياهو الساحر، وهدفه الأول إسقاطها والعودة إلى رئاسة الوزراء، ويبدو أن الأخير ينتظر فرصة إسقاط الحكومة إما من خلال علاقتها مع غزة، وإما من خلال ملف الموازنة. أي نحن أمام حكومة لا تملك غير التمسك بسياسة الأمر القائم.
هذا ومن المعلوم أن الحكومة تخفي موقفها هذا بملف الأسرى عند حماس، حيث تطالب حماس بتقديم تنازلات في هذا الملف مقابل تسهيل دخول المنحة القطرية، في الوقت الذي تعلم فيه هذه الحكومة أن حماس لن تقدم تنازلات في ملف الأسرى مقابل المنحة، ولكنها جاهزة لتبادل أسرى فورا، على غرار صفقة وفاء الأحرار. وحيث إن مواقف الطرفين متباعدة كثيرًا، وحيث لم تحقق الوساطة تقدما فيه، فمن المرجح بقاء الوضع على ما هو عليه لمدة قادمة، مع بقاء الحوار على الحدود من خلال النار، والذي يعزز بقاء هذه الحالة أنها حالة مريحة لحكومة الاحتلال الضعيفة، وحالة تزيد من معاناة غزة. وإن المجتمع الدولي لا يقدم حلولا لهذه المسألة، كما لم يقدم حلولا للاحتلال على مدى نصف قرن تقريبا. الحوار بالنار هو الحل المتاح، وإن لم يكن هو الحل الأفضل.