فلسطين أون لاين

جريمة نكراء وعقاب ضروري

انهال رجال الأمن على رأس المكافح نزار بنات بأدوات حديدية حادة أثخنته جراحاً وقربته من ساعة الموت، ثم اختطفته وهو حي يرزق، ولكن يعاني سكرات الموت..

وجاء الخبر:

نزار بنات مات

إن اختطاف قوى الأمن جثمان نزار بنات وهو يعاني سكرات الموت دليل على أن المجرم الذي ارتكب الجريمة يخشى ظهور أدلة دامغة على الجريمة مطبوعة بالدم والنار على جسده المهشم.

الفرقة التي ارتكبت الجريمة هاجمت بيت نزار بنات في الساعة الثالثة فجراً وانهالت عليه بأدوات حديدية على الرأس والصدر والظهر، وكانت في حقيقة الأمر تنفذ أمرا بقتله وليس اعتقاله، لكنّ بقاءه حياً جعل الفريق الجاني يختطف ما تبقى من جسد نزار بنات ويختفي به قبل مجيء خبر موته.

اسم نزار بنات قد يكون جديداً على كثير من الفلسطينيين، لكنه اشتهر مؤخراً بشجاعته وإقدامه وتعبئته للشعب من أجل مقاومة الاحتلال ومقاومة الفساد ونفض سياسة الخضوع لإملاءات العدو الأمريكي الصهيوني وشن مقاومة شعبية متصلة ومستمرة ضد الاحتلال، دفاعاً عن شعبنا وعن الأقصى والقدس ونابلس والخليل ورام الله، وكل موقع فلسطيني مهدد من الاحتلال وسياسة الاستيطان الاستعمارية والممارسات الجنائية العنصرية الصهيونية ضد شعبنا بأسره في كل أنحاء القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

وإذا بحثنا عن سبب اغتيال نزار بنات نقول: لا يوجد سبب سوى سياسته ومواقفة المعلنة، ووقوفه كحد السيف ضد فساد السلطة، وضد من يتحكم بأمور الفلسطينيين، وضد الاحتلال الغاشم الذي يشن سياسة جديدة للتهجير القسري لشعبنا من بيوته وأرضه وخطة تهويد القدس وضم الضفة الغربية كاملة للسيادة الصهيونية، أي تنفيذ مخطط (إسرائيل) السابق الذي دعمته وتدعمه الإدارات الأمريكية، وهو ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية كما ضمت الجولان سابقاً.

إذا كان الموقف السياسي لنزار بنات هو سبب الاغتيال وهو الذي دفع مجموعة القتلة لتنفيذ الجريمة فإن هذا يعني أن الذين نفذوا الجريمة ومن أصدر الأمر يصدر عنهم نفس الأمر لمواجهة الشعب الفلسطيني بأكمله، أي تحويل الأمن الفلسطيني إلى أداة قمع عملية وعلنية ضد الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال، وذلك لتركيع هذا الشعب لإملاءات ومخططات العدو والتساوق مع خطة بايدن لضم الضفة الغربية لـ(إسرائيل) تحت عنوان حل الدولتين.

لا يوجد تفسير آخر لاتخاذ قرار باغتيال نزار بنات سوى أنه قرار نابع من قرار أوسع اتخذته السلطة بالانصياع لتوجيهات الإدارة الأمريكية الجديدة أي إدارة بايدن التي عملت منذ اللحظة الأولى على استبعاد مناقشة وبحث موضوع الأرض المحتلة وما يعانيه الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي باستبعادها لأطول مدة ممكنة بحجة أن الأولويات للاتفاق النووي ولوقف الحرب في اليمن وضبط الأمور في العراق ولمعالجة الوضع في سوريا، أي أن إدارة بايدن أرادت أن تؤجل بحث الموضوع الفلسطيني دولياً في اللحظات التي أصبح فيها الموضوع الفلسطيني موضوعاً ملحاً للرأي العام العالمي وأُثير مجدداً من خلال الحرب التي دارت بين الكيان الصهيوني بآلاته العسكرية والشعب الفلسطيني وحركات المقاومة الفلسطينية.

لقد أبرزت هذه الحرب القضية الفلسطينية مرة أخرى ودفعت بها إلى سطح أولويات الرأي العام العالمي، حتى وصل الأمر إلى الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة الذي تحركت ضمنه مجموعة من أعضاء الكونغرس المنتمين للحزب طلباً لتدخل أمريكي يضع حداً للممارسات الجنائية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس.

لا يمكننا أن نفصل عملية اغتيال نزار بنات توقيتاً وموضوعاً عما يدور في أروقة واشنطن والناتو وأوروبا من بحث لاستبعاد مناقشة الوضع في الشرق الأوسط وذلك لإعطاء (إسرائيل) كل الوقت الذي تحتاج إليه لزيادة وتيرة الجريمة المنظمة التي ترتكبها الحكومة الاسرائيلية العنصرية قديمة كانت أو جديدة ضد الشعب الفلسطيني ومن أجل أن يأتي الوقت الذي تكون فيه (إسرائيل) قد خلقت أمراً واقعاً تحت مختلف العناوين ولكنها جميعا تنضوي تحت عنوان تهويد القدس والضفة الغربية، وإسكات الصوت المعارض والمُعبِّئ للشعب الفلسطيني للتصدي لمحاولات (إسرائيل) ومخططاتها لتهويد القدس والضفة الغربية وعدم السماح بإعادة بناء غزة.

وهذه الجريمة لا شك هي الأولى من نوعها ترتكبها الجهات الأمنية الفلسطينية علناً وصراحة ضد المقاومين لمحاولات (إسرائيل) تهويد القدس والضفة الغربية وضد المتصدين للفساد الذي يجعل من التساوق سياسة رسمية للسلطة الفلسطينية مع الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية قديمة كانت أو جديدة.

لذلك نقول إن عملية الاغتيال هذه جزء لا يتجزأ من سياسة خطرة انتهجتها السلطة منذ مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة إدارة بايدن التي وعدت بعنوان عريض في السعي لتنفيذ حل الدولتين ولكنها في واقع الأمر تعني أن الإدارة تريد أن تعطي إسرائيل كل الوقت لخلق أمر واقع يجعل مما يسميه بايدن دولة فلسطينية شيئا شكليا لا يعني مطلقاً دولة ولا يعني مطلقاً سيادة ولا يعني مطلقاً حرية للشعب الفلسطيني ولا يعني مطلقاً أن القدس عاصمة لدولة فلسطين الأبدية كما رفع شعبنا شعاراً وناضل من أجل تطبيقه.

وبرز صوت في أوساط الشعب الفلسطيني بالتحقيق وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق، تحت عنوان التحقيق الشفاف، وفي الحقيقة أن الأمر لا يحتاج لا لتحقيق ولا للجنة تحقيق لأن الجريمة واضحة والمجرم واضح ومعروف والنتائج واضحة ومعروفة.

المطلوب ليس من السلطة الفلسطينية، المطلوب من قيادة المقاومة الفلسطينية، أن التلكؤ في شن نضال مستمر متصل في كل أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ضد الاحتلال وسياسة ضم الأراضي وزرع المستوطنات بأعداد كبيرة، يعني تهويد الضفة الغربية والقدس وشن حملة لتهجير العائلات من أحياء القدس وعلى رأسها حي الشيخ جراح وسلوان وجبل المكبر والعيساوية.

إن مواجهة الشعب الفلسطيني لكل هذه المحاولات ومقاومتها وجعل هذه المقاومة متصلة واجب أول وواجب ذو أولوية وهو واجب مباشر وملح على قيادة المقاومة الفلسطينية ومجلس فصائلها وغرفة عملياتها المشتركة.

هذا العدو لا يفهم كما أثبتت كل تجاربنا سوى المقاومة القوية التي تحاصر حصاره لنا والتي تجعل من هجوم المستوطنين المسلح المدعوم من الجيش الإسرائيلي والمدعوم من حرس الحدود الإسرائيلي تجعل من هذا الدفاع عملية متراجعة تحت ضغط المقاومة الشعبية بكل الوسائل المتاحة للشعب أن يقاوم فيه غزوة جديدة صهيونية للضفة الغربية والقدس.

والظروف المحيطة بنا تظهر بكل وضوح أن إدارة بايدن تتبع مخططاً خبيثاً، مخططاً استعمارياً، مخططاً لا يمت بصلة لتطور الأمور على الساحة في الشرق الأوسط بل يرتبط بسياسات استعمارية قديمة وأسلوب في العمل القديم، فهذه الإدارة التي تعلن من ناحية بكلام معسول عن حل دبلوماسي للمشكلات كما جرى في اليمن مثلاً، إذ دفعت النظام السعودي لتقديم اقتراح بوقف إطلاق النار دعمته بكل قوة ولكن في حقيقة الأمر هذا الاقتراح هو اقتراح لاستسلام المقاومين وإبقاء مناطق حيوية في اليمن تحت احتلال قوات أجنبية وقوات مرتزقة وإخضاع اليمن لمخطط أمريكي صهيوني والسيطرة على جزره والبحر الأحمر وباب المندب ونفط وغاز اليمن، وفي العراق أيضا، وكذلك تماطل في فينا في المباحثات مع إيران حول رفع العقوبات والعودة للاتفاق النووي.

الإدارة الأمريكية الجديدة لا تريد مناقشة قضية فلسطين في وقت يظهر فيه الرأي العام العالمي تأييده للشعب الفلسطيني وتأييده لإزالة الاحتلال عن أرضه واستقلاله.

الإدارة الأمريكية تريد أن تعطي كل الوقت وكل الدعم للحكومة الإسرائيلية سواء كانت حكومة نتنياهو أو حكومة بينيت وذلك من أجل أن تصل إلى لحظة تتمكن من فرض كل الحلول التي تريدها على الشعب الفلسطيني وأبقت الإدارة الأمريكية لذلك العلاقات منذ اللحظة الأولى عبر الغزل المزينة بالدولارات كمساعدة للسلطة الفلسطينية من أجل إسكاتها ومن إجل إعطائها دعماً في وجه نمو فصائل المقاومة خاصة بعد معركة سيف القدس.

الإقدام على اغتيال نزار بنات هو مقدمة لمحاولة السلطة استخدام الدعم الذي يقدمه بايدن خبثاً وخداعاً للسلطة ومن أجل خلق أمر واقع إسرائيلي جديد في الضفة الغربية والقدس، إدارة بايدن تريد ان تسحب من تحت أقدام المقاومة إنجازاتها وانتصاراتها على (إسرائيل) تدريجياً وتزيد من معاناة الشعب الفلسطيني تحت الحصار في غزة وفي الضفة الغربية من خلال هجمة توسعية استيطانية واعتداء يومي وحشي على الفلسطينيين في بيوتهم ومصادرة تلك البيوت وهدمها وطرد العائلات منها وقصفها بقنابل الغاز والرصاص المطاطي لخلق حالة من الرعب في أوساط المدنيين تهيئ للمسلحين العنصريين المستوطنين المدعومين بجيش الاحتلال الفرصة لطرد المدنيين من أراضيهم وبيوتهم وتهويدها، هذا هو التطهير العرقي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.

وما عملية الاغتيال هذه إلا مقدمة لضم جهاز الأمن الفلسطيني لحملة الرعب والترهيب ضد الشعب الفلسطيني من أجل ألا يقاوم ومن أجل ألا يعبر عن رأيه ومن أجل ألا يتصدى للمستوطنين ومن أجل ألا يتصدى لمن يتعاون مع المستوطنين.

الجواب واضح، فصائل المقاومة ملامة في عدم الإسراع والشروع بحرب مقاومة من كل جانب وفي كل مكان وفي كل زمان ضد محاولات العدو الصهيوني تهويد القدس والضفة الغربية وتساوق أجهزة السلطة خاصة الأمنية مع هذا المخطط والعمل على تنفيذه عبر حملة إرهاب وترهيب للشعب الفلسطيني على يد الأمن الفلسطيني.

أقل واجبات المقاومة الفلسطينية أن ترفع شعار الأمن الذي يحمي الشعب الفلسطيني، فسلاح الأمن الفلسطيني هو سلاح الشعب. وإن استخدام هذا السلاح ضد الشعب أمر مرفوض، ليس قولا فقط، بل عمليا أيضا.

المصدر / فلسطين أون لاين