فلسطين أون لاين

معاذ العرعير.. "تحويشة العمر" تضيع بقصف مطبعته

...
المطبعة بعد القصف
غزة/ ريما عبد القادر:

كل قطعة كانت بمنزلة حلم يكبر مع الشاب معاذ العرعير حتى اكتمل مشروع مطبعة ومكتبة "معاذ"، الذي اتخذ من اسمه نقطة الانطلاق، فقد أسس كل شيء فيها بحب وجهد من الصعب أن يقدرا بثمن، فالأمر لم يكن يسيرًا عليه، خاصة أنه بدأ المشروع من الصفر، وكان يضع فيه كل ما يملك من المال إلى أن أبصر نور الأمل على أرض الواقع.

كان دائم التفكير في تطوير المطبعة وإدخال آلات جديدة من الماكينات وأجهزة الطباعة حتى يستطيع توسيع عمله أكثر، الأمر الذي جعله يتوسع في العمل ويقابله في الوقت ذاته زيادة الديون عليه؛ لأن هذه الأجهزة مكلفة، فكان يسد بعض ديونه من إيرادات المكتبة.

وكثيرًا ما كان يؤجل فكرة الخطوبة؛ لأنه وضع كل ما كان يجمعه من المهر في المطبعة، والعمل على توسيع خدماتها وتوفير أغلب المستلزمات المدرسية.

مهر الخطوبة

هذه الأحلام التي كانت تكبر على أرض الواقع دمرتها صواريخ الاحتلال، وحطمت معها قلب العرعير (26 عامًا) إذ يقول لصحيفة "فلسطين": "المطبعة كانت تمثل لي أكثر من مجرد مشروع؛ فهي جزء من حياتي كنت أضع فيه كل ما أملك من مال".

ويتابع: "كل قطعة كانت تمثل لي جزءًا مني؛ فقد تعبت كثيرًا في توفيرها، إلى درجة أنني وضعت المهر الذي حوشته سنوات من أجل خطوبتي، فإني أجلت الأمر حتى أعمل على تطوير المشروع وتوسعيه، وأن يكون أكثر من مجرد مطبعة؛ فقد كان يحتوي على العديد من الأقسام".

ويبين أنه كلما كان يفتتح قسمًا جديدًا كانت فرحته تتسع أكثر، فكان قسم للطباعة وثانٍ للهدايا وآخر للقرطاسية والمستلزمات الجامعية والمدرسية.

ويشير إلى أنه بعد ما توسع في عمله احتاج إلى تعيين موظفين لدى المكتبة فقدا عملهما في إثر تدميرها، الأمر الذي زاد معاناتهما، فكل منهما لديه عائلة بحاجة للكثير من المصاريف، لكن ليس باليد حيلة، فلم تعد المكتبة قائمة؛ بل أصبحت ركامًا حُطم كل ما فيها من أشياء.

أخذ العرعير يقلب كفيه وهو ينفض تراب ركام المطبعة، قائلًا: "المطبعة عليها ديون وكنت أسدد جزءًا منها كل شهر من إيراداتها، والآن لا أعلم ماذا أفعل، فلا أستطيع السداد ولا يزال متراكمًا علي مبالغ تحتاج إلى تسديد".

ويذكر أنه كان يتطلع بعد سداد ديونه إلى أن يكمل حياته، وأن تبحث له والدته عن عروس، لكن الآن الأمر اختلف؛ فلم يعد يملك المال لذلك.

ورغم أن المكتبة قصفها الاحتلال في العدوان لا يزال العرعير يذهب كل يوم إليها، يجلس على ركامها وهو يستذكر كل شيء فيها، فكان من الصعب عليه ألا يذهب إلى مكان عمله الذي يرتبط كل شيء فيه بقصة نجاحه التي تعب كثيرًا لأجلها.

ويبين بعد أن أخذ نفسًا عميقًا مثقلًا بأوجاع تألم بها قلبه، وهو ينظر إلى المطبعة ولم يجد منها شيئًا ممكن استصلاحه؛ أنه كان كل قطعة يشتريها للمطبعة يطير فرحًا بها؛ فهذا مشروعه الأول الذي دفع الغالي والرخيص لأجله، وكان كلما نظر إليه أخذ قلبه بالانقباض، ويسأل الله تعالى العوض الجميل.

وأكثر ما يربط على قلب العرعير أن الشعب الفلسطيني يدافع عن القدس والمسجد الأقصى، إذ يقول: "أهم شيء القدس، كل شيء يهون لأجلها، المال يعوض، لكن القدس لا تعوض".

ويؤكد أنه مهما ارتفعت مؤشرات خسارته؛ فإنها تهون مقابل الدفاع عن القدس، قائلًا: "المال لا شيء أمام المقدسات؛ فهي جزء من العقيدة".

ورغم ما أصاب العرعير الحياة ما زالت تنبض في عروقه بالأمل، وهو يرجو أن تسير عملية الإعمار سريعًا، حتى يعود إلى عمله من جديد، وينهض الركام لتنبض مطبعته بالحياة.