من كان يتوقع أن تقوم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بتهديد دولة الاحتلال "الإسرائيلي" التي تتمتع بدعم عسكري ومالي كبيرين من الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال أحد عشر يوماً لم يستطع سلاح الجو والمدفعية الصهيونية أن تقضي على المقاومة الفلسطينية أو حتى تكسر شوكتها أو تضع حدًّا لكمية الصواريخ التي تنهال على المدن والمستوطنات التي يقطنها مستوطنوها.
إن الناظر إلى الواقع السياسي في المنطقة العربية يجد أنه يعيش في حالة من انهزام تام، وهرولة بعض المنبطحين من أجل التطبيع مع هذا الكيان المهزوم، وأن بعض سياسات هذه الدول لا تعدو أن تكون ترسًا في فلك الأجندة التي تتبعها تلك الدول المؤيدة والداعمة "لإسرائيل".
لكن الواقع في قطاع غزة مغاير تمامًا، فمنذ أن انطلقت الانتفاضة الثانية، في سبتمبر من العام 2000م، وما تبعه من تطور في شكل المواجهة مع الاحتلال "الإسرائيلي"، مما يدلل ذلك سعي المقاومة في غزة الدؤوب لفرض أجندة جديدة في المنطقة العربية والإسلامية وإحداث تغيير كبير في قواعد اللعبة في الصراع الممتد مع العدو الصهيوني، فأصبح المواطن الفلسطيني من لاجئ في وطنه، إلى إنسان مقاوم يدافع عن أرضه ويقاوم الاحتلال، بل وأكثر من ذلك إلى مقاوم يضع الخطط العسكرية ويقتحم المواقع العسكرية والمستوطنات المقامة على أرضه في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد انسحاب جيش الاحتلال "الإسرائيلي" من قطاع غزة عام 2005م، أصبح المواطن الفلسطيني يُهدد قيام الدولة العبرية عن طريق تطويره منظومة الصواريخ باتجاه هذا الكيان، وهو ما لمسناه خلال العدوان الصهيوني الذي شُن على قطاع غزة منذ عام 2008م، وحجم التطور في دقة وكمية الصواريخ المنهمرة على دولة الكيان خلال عدواني 2012 و 2014 وفي عدوانها الأخير عام 2021م.
فلقد استطاعت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أن تُحدث ثغرة في جدار الصراع (العربي - الإسرائيلي) الممتد منذ عام 1948م، عن طريق صدها لعدوان ثلاثة هجمات على قطاع غزة وبدء الصراع مع العدو الصهيوني من صراع عسكري إلى صراع أدمغة، وكيف استطاعت وحدة السايبر من اختراق منظومة القبة الحديدية وتعطيلها، ومن خلال تطوير نظام طائرات الاستطلاع الهجومية (شهاب والزواري)، والغواصات المفخخة تعجز عنه أغلب دول المنطقة من القيام به.
ها هو القائد العام لكتائب القسام/ محمد الضيف "أبو خالد" قد غير تكتيك المعركة بأن حيد أسلوب التفاوض العقيم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى أسلوب جديد وهو فرض معادلة جديدة مع هذا العدو المتغطرس الذي لا يعرف إلا لغة القوة بأن وضع قضية القدس وحي الشيخ جراح على طاولة الصراع مع هذا العدو الغاشم جنباً إلى جنب مع قضايا المواطن الغزي مثل (رفع الحصار وفتح المعابر) عن القطاع.
بذلك تكون المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد فرضت معادلة جديدة وهي أي اعتداء على أي فلسطيني داخل حدود فلسطين -كل فلسطين- سوف يدفع الاحتلال ثمناً باهظاً من جراء هذا العدوان، وسوف نشهد في الفترة القادمة مساعي دولية لفرض حل للصراع (الفلسطيني - الصهيوني) ليس حباً وتعاطفاً مع الشعب الفلسطيني بل تجنيا للثمن الذي سوف تدفعه دولة "إسرائيل" فيما لو تكرر مثل هذا العدوان على القطاع، ولقنت المقاومة مرة أُخرى هذا الكيان درساً أقوى من درس الأيام الأحد عشر، وسيبقى عام 2021م في ذاكرة ووجدان الشعب "الإسرائيلي" لعقود طويلة لن ينسى حجم الهزيمة التي مُني بها جيشهم المهزوم من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر.