لم يعد شك في أن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة عززت مكانة الأحزاب اليمينية الراديكالية، وأكدت ما كان واضحًا بعض الوقت، وهو أن النظام السياسي الإسرائيلي مشلول تمامًا، لأننا مع ما شهدناه من جولة انتخابية رابعة في أقل من عامين فشل بنيامين نتنياهو وحلفاؤه اليمينيون مرة أخرى في الحصول على أغلبية في الكنيست، وكذلك منافسوه المختلفون لم يتمكنوا من إنشاء بديل قابل للتطبيق للسيطرة على السياسة الإسرائيلية.
إن محاولات تشكيل حكومة جديدة التي بدأت بمشاورات مع رئيس دولة الاحتلال رؤوفين ريفلين لم تكن سوى بداية لصراعات داخلية ومقايضة ورشوة مباشرة، ومكائد لا تنتهي، ويبدو واضحًا أن الساحة السياسية الإسرائيلية تتحرك، رغم أن الميزة الأولى للانتخابات هي الانقسام السياسي، وجاءت الانقسامات السياسية هذه المرة، على شكل ولادة أحزاب صغيرة، واضحة في جميع أنحاء الطيف السياسي.
لقد انقسم اليمين الإسرائيلي بظهور قوى جديدة، بعضها لمصلحة نتنياهو والصهيونية الدينية، وبعضٌ ضده كأحزاب "أمل جديد" و"أزرق-أبيض" بقيادة غانتس، وكذلك "يوجد مستقبل"، ولم يتحد حزبا "العمل وميرتس" من اليسار.
تمثلت إحدى خصائص الانتخابات الأخيرة في تعزيز مكانة اليمين المتطرف، ونجاح هيمنته السياسية بإحداث ما لم يكن أي زعيم إسرائيلي في أي تيار سياسي على استعداد لفعله علانية، بقبول العنصرية اليهودية الصريحة جزءًا لا يتجزأ من السياسة الإسرائيلية، عبر شخصية إيتمار بن غفير خريج الحركة الكاهانية ورفاقه، ممن يعبرون عن كراهية عميقة للعرب والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد أثارت الكراهية التي أسفرت عنها الانتخابات الأخيرة ردود فعل حادة داخل (إسرائيل) والجاليات اليهودية والاشمئزاز المطلق في العالم عمومًا، ومنها الخطاب السام للعناصر اليمينية المتطرفة، المدعومة من الزعماء الدينيين المسيحيين الذين وجدوا أتباعًا في قلب ليكود، وهذا لا يؤدي فقط إلى تفاقم الانقسامات العميقة في المجتمع الإسرائيلي، بل يهدد بتقويض ما تبقى من ديمقراطية (إسرائيل) الهشة بالفعل.
لقد قضت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الرابعة على أي فرصة للتسوية مع الفلسطينيين، وزادت تمزق (إسرائيل) إلى أشلاء، وجميعها مؤشرات على خيبة الأمل الإسرائيلية، ما وجد ترجمته بانخفاض نسبة المشاركة في انتخابات 2021، وهي الأدنى منذ 2013، إذ ظهر انخفاض الإقبال واضحًا في الطيف السياسي.
هذه النسبة المتدنية من المشاركة في الانتخابات -وبلغت 50٪-علامة حقيقية على فقدان الثقة فيمن يتحكم في آليات دولة الاحتلال، وفي شكلها المتطرف تدل على انهيار ثقة الجمهور في مؤسساتها، لا سيما على يد رئيس وزراء يحاكم بتهمة استغلال وضعه الرسمي لتحقيق مكاسب شخصية، والنتيجة عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة في الوقت الحاضر بسبب تعمق الاستقطاب المتصاعد.