لا بد أن نعترف أن كل الأوهام والأكاذيب والخدع أحاطت بهذه القضية فأثقلت كاهل الفلسطينيين، ولذلك آن الآوان لمعالجات جديدة ومراجعات أساسية للمسلَّمات التي تربى جيلنا عليها، ولم نتمكن طوال هذه العقود من استعادة عقولنا وتحدي المقولات التي ظلت في كتبنا من المسلمات واكتشفنا أننا خدعنا وبنينا آمالا على كومة من الرمال.
نحدد في هذه المقالة بعض المسلمات لمراجعتها تكمل ما أوردناه في كتاب يصدر قريبا حول الخرافات والأساطير في الثقافة السياسية العربية المعاصرة.
الأولى:
منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وعلاقة المنظمة بأوسلو والسلطة الفلسطينية وبالاعتراف.
عدَّ العرب اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 بمنظمة التحرير الفلسطينية حركةَ تحرر وطني والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني انتصارا كبيرا للقضية، وأن مساندة دول العالم لهذا الوضع هي ثمرة الانتصار عام 1973. والواقع أن هذا القرار كان موجهًا للأردن لأن القدس والضفة الغربية كانتا تحت الإشراف الأردني، فهما جزء من المملكة الأردنية الهاشمية وكان الأردن يطالب (إسرائيل) بالجلاء عنهما، ثم تخلى الأردن عن الضفة والقدس عام 1988 فيما عرف بفك الارتباط مع الأردن.
وعاد الأردن مرة أخرى إمارة شرق الأردن ومع ذلك ظل الأردن المملكة الأردنية الهاشمية وكان هذا اللقب قد منح له بعد ضم الضفة والقدس وعارضت مصر فتعهد الأردن بأن هذه الأراضي فلسطينية وأمانة يجب ردها بعد تحرير فلسطين، وذلك مقابل تعهد مصر بأن تدير غزة بطريق إداري وليست غزة جزءا من الأراضي المصرية.
والغريب أن (إسرائيل) لم تعترض على اعتراف الأمم المتحدة بأن المنظمة هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وفرح العرب بذلك لسببين الأول أن يكون كيانا مسؤولا عن فلسطين يمكن التواصل معه، والثاني أن المنظمة كممثل وحيد قضى على محاولات بعض الدول العربية أن يكون لها كيان حتى تسيطر على الشعب الفلسطيني مقابل إصرار الفلسطينيين على الحياد واستقلال القرار.
وقد تبين فيما بعد بسنوات سبب سعادة (إسرائيل) بالمنظمة لسببين أيضا، الأول: حتى تحصر العداوة في كيان واحد، وثانيا: حتى يمكن استغلال المنظمة في المخطط الإسرائيلي فيما بعد. وقد صح توقع (إسرائيل) لأنها تمسكت بهذه المنظمة في وجه ظهور حماس 1987 وذلك بعد نفي المنظمة ومقاتليها عام 1982 إلى تونس وعدة دول أخرى.
الثانية:
أن المنظمة اعترفت نيابة عن الشعب الفلسطيني بـ(إسرائيل) دون تحديد أو تحفظات وكأنها اعترفت بطرد الفلسطينيين من ديارهم وفق المشروع الصهيوني، والموقف نفسه حدث من المجلس الوطني الفلسطيني في دورته في الجزائر عام 1988، الذي اعترف بـ(إسرائيل) قبل أوسلو كما حرر الميثاق الوطني مما أرادت (إسرائيل) شطبه.
أما أكذوبة الاعتراف المتبادل كوثيقة سبق التوقيع على أوسلو في نفس الجلسة فقد اعترفت بالمنظمة كممثل وحيد للشعب الفلسطيني حتى تستبعد المقاومة من تمثيل الشعب الفلسطيني ولذلك فوجئت (إسرائيل) بنجاح خيار المقاومة في انتخابات 2006، ولم تعترف للشعب الفلسطيني بأي حقوق بل إن اتفاق أوسلو أغفل هذه الحقوق كما أجل الموضوعات الأساسية للاتفاق عليها من خلال ما سُميت زورا وبهتانا مفاوضات الاتفاق على الوضع النهائي.
الثالثة:
خرافة أوسلو، فقد تضاربت آراء الفلسطينيين والرسميين حولها وحاولوا تسويقها في الصفوف الفلسطينية فقالوا لنا إن ميزة أوسلو أنها أول وثيقة تحمل توقيع (إسرائيل) إلى جانب المنظمة ولكن اتفاق أوسلو اعتبره الجانب الإسرائيلي الرسمي أهم محطات المشروع الصهيوني ويكفي أنه جلب عرفات ليكون تحت تصرف (إسرائيل) واغتيل في محبسه في المقاطعة عام 2004، وحرم من السفر والمشاركة في القمة العربية عام 2002، في بيروت ولم تذكر القمة شيئا عن مأساته وإنما انشغلت بوهم آخر اسمه مبادرة السلام العربية.
الرابعة:
مبادرة السلام العربية: تقييم المبادرة يجب ان يتم بناءا على أربعة عوامل، الأول: موقف الطرف السعودي وتقديم المبادرات منذ 1981، في نفس الاتجاه.
العامل الثاني ظروف المبادرة التي شهدت انحسار الموقف العربي سريعا بعد كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة واتضاح أبعاد المشروع الصهيوني.
العامل الثالث: هو الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني والمزاج العام من المبادرة.
العامل الرابع هو دلالة المبادرة. فالمبادرة تعكس التراجع العربي ومضي (إسرائيل) في مشروعها ولذلك كان إبراء ذمة من الجانب العربي، كما كانت ضوءا أخضر لـ(إسرائيل) خاصة في ظل إجماع الدول العربية على ان السلام مع (إسرائيل) خيار استراتيجي فاطمأنت (إسرائيل) وتمكنت من اختراق الحكام العرب خاصة في الخليج والمغرب والسودان وغيرها.
الخامسة:
الشعارات الجوفاء مثل السلام المراوغ والسلام الضائع والفرص الضائعة وحق تقرير المصير وكلها لا معنى لها ما دامت (إسرائيل) نشأت أصلا للاستيلاء على كل فلسطين وتعني السلام الإسرائيلي.
السادسة:
دور الدين في الجانبين: في الاتجاه الإسلامي لا يعترف بالسلام مع اليهود المغتصبين وكذلك (إسرائيل) على الرغم من أن مشروعها علماني إلا أنها تستخدم التوراة المزورة لتبرير إبادة العرب والفلسطينيين. ولا التقاء بين الطرفين على أساس ديني مع فارق أساسي.
فالجانب العربي يستهجن المواقف الدينية الإسلامية وتطارد هذه الجماعات لهذا السبب وبسبب الصراع على السلطة. أما الجماعات اليهودية المتطرفة فهي منسجمة مع المشروع الصهيوني تلقى تشجيعا من القيادات السياسية والعسكرية.
السابعة:
القنبلة الديموغرافية: بالغ العرب في معدل الزيادة السكانية كما بالغ اليهود في تصدير خطورة هذا الجانب وسمّوه القنبلة الديمغرافية ولذلك عمدوا إلى اتخاذ ذلك ذريعة لتبرير صور الإبادة للشعب الفلسطيني بالقتل والاعتداء والتعذيب والأسر والتنكيل والحصار في بيئة عربية موالية لـ(إسرائيل).
الثامنة:
أن شعارات القومية العربية تحرير فلسطين والعكس هو الصحيح.
التاسعة:
حل الدولتين والدولة الفلسطينية المستقلة وتبين أن هذا الشعار هو لتحرير الفلسطينيين وإطلاق آمال كاذبة، وقد كرر بايدن هذا الشعار في إطار خطته المحكمة لتنفيذ صفقة القرن.
وبالطبع فإن هذا الشعار يتطلب مفاوضات عبثية أخرى وفي هذه المرة ترجو (إسرائيل) أن تسفر المفاوضات عن زعيم فلسطيني قادر على توقيع اتفاق السلام بتسليم فلسطين.
وقد فصلنا في كتابنا عن الأساطير والخرافات مجموعة الخرافات المتعلقة بالقضية، مثل: قرار التقسيم، وحق العودة، وأن العرب أمة واحدة لن تفرط في عضو من جسدها، وأن العرب قوة واحدة لا بد لـ(إسرائيل) أن تحصل على قوة تفوق قوة العرب مجتمعة وغيرها من الخرافات التي امتلأت كتب التاريخ بها.