بالتزامن مع إجراء حركة حماس انتخاباتها الداخلية (أفرزت فوز يحيى السنوار رئيسًا للحركة في قطاع غزة)، تعاني حركة فتح أزمات داخلية مركَّبة، مع الاستعداد للانتخابات التشريعية الفلسطينية المفترضة بعد قرابة شهرين، إذ فُصِل القيادي البارز فيها، ناصر القدوة، في حين ما يزال قياديون آخرون يؤكِّدون مشاركتهم في الانتخابات خارج القوائم الرسمية للحركة.
وبالضرورة، تمثِّل انتخابات "حماس" رسالةً سياسيةً متعدِّدة الجهات، فهي تؤكِّد تماسك الحركة الداخلي، على الرغم من الخلافات الفكرية والسياسية والتنظيمية، بالاعتماد على الانتخابات بوصفها أداة التصعيد في أوساط الحركة. ومن جهةٍ أخرى، تشي بالتزام الحركة الديمقراطية الداخلية، في مواجهة الدعاوى التي تشكِّك بمصداقية الحركات الإسلامية عمومًا. ومن جهةٍ ثالثة، باستعدادها للانتخابات الفلسطينية عبر حركةٍ متماسكةٍ لديها قدرة على التكيف مع الظروف الصعبة المحيطة بها. مع ذلك، ما تزال أسئلة عديدة مطروحة على "حماس" منذ الربيع العربي، وربما قبله، عندما ذهبت نحو الحسم العسكري في قطاع غزة في عام 2007، وتولّي الحركة مسؤولية حكم القطاع، وما في ذلك من مسؤولياتٍ إداريةٍ وسياسيةٍ وعبء كبير اقتصاديًا وماليًا.
في مقدمة الأسئلة المطروحة على حركة حماس السؤال الأيديولوجي والبراغماتي، فالحركة التي تمثِّل هجينًا بين حزب سياسي يمارس العمل السياسي وحركة دعوية وتنظيم جهادي له جهاز عسكري وأمني، حاولت، في 2017، تقديم وثيقةٍ سياسيةٍ في غاية الأهمية، تمثِّل نقلة نوعية في خطاب الحركة نحو خطاب سياسي واقعي، مقارنةً بميثاقها الذي عكس أيديولوجيتها الرئيسة. ومع أنّ الوثيقة حظيت بقبول أجنحة الحركة الرئيسة في حينها، إلا أنّ المراوحة بين الأيديولوجيا والتسييس مسألة مستمرّة، يصعب أن تُحسم بوثيقة سياسية، ما ينعكس على الخطاب والمواقف السياسية والمناظرة في أوساط الحركة بين النخب السياسية والعسكرية والدعوية.
من الأسئلة المهمة التي ما تزال مطروحة أمام الحركة سؤال المصالحة الوطنية الفلسطينية، إذ تشي التصريحات والمواقف بتباينات مهمة في الأوساط القيادية للحركة تجاه الانتخابات المقبلة وتداعياتها، والموقف من حركة فتح، والوصول إلى حكومة توافقية وطنية، غداة الانتخابات، إن أجريت في ظل الظروف الصعبة التي تحيط بالأوضاع الفلسطينية عمومًا، وبكلتا الحركتين تحديدًا. ثمّة من يرى أنّ الجهاز العسكري الذي يعكس يحيى السنوار مواقفه وآراءه في قيادة "حماس" أقلّ ميلًا إلى المصالحة، والوصول إلى حلول وسطى، بينما قيادات الحركة في الضفة الغربية والخارج أقرب إلى تبنّي تصوّرات توافقية مع السلطة الفلسطينية.. كيف ستواجه "حماس" الانتخابات واستحقاقاتها ونتائجها، في ظل هذه الاختلافات الداخلية، سؤالٌ مهم برسم التطورات.
ويتعلق السؤال الثالث بالسياسات الخارجية للحركة، بخاصة بعد الربيع العربي والتحول في مواقف الحركة تجاه المحور السوري -الإيراني، والخلافات الداخلية تجاه هذه السياسات، بين اتجاه يميل إلى المحور التركي-القطري والإخواني العربي، وأيد المعارضة السورية وثورات الربيع العربي، واتجاه (مقرّب من الجناح العسكري) يفضّل الخيار الإيراني-السوري، ومثّل حليفًا استراتيجيًّا في مرحلة ما قبل الربيع، بخاصة في دعم القدرات العسكرية للحركة. وبالضرورة، ينعكس هذا التباين على الموقف من مصر التي تمثّل المجال الحيوي الرئيس لقطاع غزة، وهو ما يجعل الحركة في موقفٍ متخمٍ بالتعقيد والتناقضات في إطار مصالحها السياسية والتنظيمية من جهة والتزاماتها الأيديولوجية والسياسية والأخلاقية من جهةٍ أخرى.
وتتمثل المفارقة في الأمر في أنّ الجناح الأيديولوجي في موقفه من الربيع العربي وترسيم سياسات الحركة يبدو أكثر براغماتية على صعيد مصالح الحركة، فهو يميل إلى تخفيف حدّة الخلافات مع مصر، واستدامة التحالف مع إيران وسورية وحزب الله، بينما يميل الجناح المعتدل إلى مواقف أكثر التزامًا مع قيم الربيع العربي والديمقراطية وتشوق الشعوب إلى الحرية، بخاصة الشعب السوري.
المفارقة الأخرى أنّ هذه الخلافات قد توفر مساحاتٍ من المرونة وتبادل الأدوار بين الأجنحة القيادية في الحركة، ما يجعل لها أكثر من عمق استراتيجي، مع القوى الإقليمية المختلفة، ما قد ينعكس على النتائج النهائية للانتخابات القيادية الحالية التي قد تُفرز أكثر من جناح (في غزة، الضفة، الخارج) يتيح للحركة مربعاتٍ متعدّدة للسياسات الجدلية.
على كلّ، ستكون الانتخابات المقبلة مهمةً ليس فقط على صعيد القضية الفلسطينية، بل الحراكات الداخلية لكل من "حماس" و"فتح" وموازين القوى في داخل الحركتين.