إن إرادة الناخب والأجواء الانتخابية الحرة معياران أساسيان معتمدان لنجاح العملية الانتخابية أولًا، ومن ثم نجاح المنتخبين في أداء مهامهم. لكن ما نراه ماثلًا أمامنا، لا أرض حرة ولا ناخب حر ولا مرشح حر. وهنا لا بد من التذكير كيف عوقب الشعب الفلسطيني على خياراته بفرض حصار مطبق على قطاع غزة منذ فوز حركة حماس في انتخابات 2006، واعتقال سلطات الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين عن حركة حماس في الضفة الغربية والقدس، وتعطيل الرئيس المجلس التشريعي بعد الانقسام، وعدم تمكن النواب من التنقل بين شطري الوطن والتواصل فيما بينهم تحت قبة برلمان واحدة بسبب إجراءات الاحتلال، فتارة أجريت الجلسات عبر نظام الفيديو كونفرنس، وتارة عبر وكالة النواب لتمثيل بعضهم بعضًا.
ولنا في تاريخ الصراع الفلسطيني شاهد بفشل الانتخابات التشريعية التي حاول الانتداب البريطاني عام 1923 الدفع باتجاهها، بما يحقق رغباته ليكون نواب الشعب مجرد شهود زور على جرائمه، فلم يكُن للمجلس حق مناقشة قضايا تخالف سياسة المندوب السامي البريطاني، وغيرها من القيود، لذلك فشلت الانتخابات قبل أن تبدأ.
كذلك فإن الانتخابات التشريعية التي جرت عام 1996 وانتخابات 2006 تحت سقف أوسلو فيهما من العبر ما يدفعنا للتفكير بأن لدينا قيادة غير ناضجة سياسيًا، ولم تتعظ من التاريخ ولا من الانتخابات تحت هذا السقف المنهار.
أسئلة كثيرة تقفز أمامنا عند التفكير في الانتخابات التشريعية والرئاسية.. هل القرار الفلسطيني مستقل أم أنه مرهون لأموال المقاصة التي تجبيها سلطات الاحتلال الإسرائيلي نيابة عن السلطة الفلسطينية وأيضًا الهِبات والمنح التي تقدمها الدول المانحة؟ وهل الانتخابات تمثل الكل الفلسطيني؟ وهل نحن نتمتع بالحرية والاستقلال حتى لا يتم التأثير في مجريات الانتخابات ونتائجها؟ وهل يحق لفلسطينيي الشتات المشاركة في الاقتراع والتصويت؟ وهل سيضمن المنتخبون في الضفة الغربية والقدس سلامتهم من الملاحقة والاعتقال في سجون الاحتلال أو في سجون السلطة؟ ألم تعتقل سلطات الاحتلال النواب، الذين كان أبرزهم النائبان عن القدس أحمد عطون ومحمد أبو طير؟ ألم تعتقل السلطة الفلسطينية النائب عن كتلة حماس إبراهيم أبو سالم وتصادر أمواله، وكذلك النائب عن حركة فتح حسام خضر؟
ثمة مسألة أخرى تتعلق بحق الترشح والانتخاب.. ألا تمثل السلطة الشعب الفلسطيني، من خلال سفاراتها في العديد من دول العالم، فكيف لا يحق للفلسطيني في الخارج أن يختار من يمثله؟ وهل نحن شعبان، شعب في الداخل وشعب في الخارج، وكل له وطن؟ ألا تخجل الفصائل من المشاركة في انتخابات لا تمثل الكل الفلسطيني؟ فمن يريد أن يمثل الشعب الفلسطيني فلا بد أن يختاره الشعب الفلسطيني الذي يعيش منه مليونان في قطاع غزة، و3 ملايين في الضفة الغربية، ومليون ونصف في الأراضي المحتلة عام 1948، وأكثر من 6 ملايين في الشتات.
رب قائل يقول إن انتخابات المجلس الوطني التي تمثل الكل الفلسطيني ستجرى بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية على التوالي بضمانات دولية، لكننا لا نرى في ذلك ضمانًا كافيًا، فمن سيجبر الرئيس عباس على إنفاذ قراراته بإجرائها رغم وجود الضمانات الدولية لو لم تجرِ الرياح بما يوافق سفنه.
كذلك هل نحن مصرون على استنساخ حالات الفشل في تشكيل الحكومات تحت الاحتلال؟
أتذكر جيدًا ذلك الحوار الصحفي الذي أجريته مع مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين عام 2003 ونشرته صحيفة الوطن السعودية، حول رأيه في تشكيل الحكومة الفلسطينية التاسعة برئاسة أحمد قريع، فجاء جوابه قاطعًا جازمًا: "أي حكومة تنشأ في ظل الاحتلال لن يكتب لها النجاح، لأنه هو من يتحكم فيها". فعلام يتنافس المتنافسون؟! هل على حكومة لا تملك من أمرها شيئًا؟!
الانتخابات التشريعية والرئاسية لا يمكن وصفها إلا بالمهزلة التاريخية، أفرزها اتفاق أوسلو المشؤوم، الذي كانت فداحته وضرره على القضية الفلسطينية أسوأ من نكبة عام 1948، وهو يشبه إلى حدٍّ بعيد المجلس التشريعي الذي أرادته بريطانيا في أثناء الاحتلال أو ما يسمى الانتداب (1920-1949)، وهي استنساخ لحالة الفشل الفلسطيني التي ما زالت مستمرة منذ توقيع أوسلو حتى يومنا هذا.
ومن يعتقدون أن الانتخابات التشريعية ستفضي إلى إنهاء الانقسام واهمون، بل على العكس فهي التي تسببت بحالة الانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ 14 عامًا وما زال، ولن تؤدي هذه الانتخابات إلا إلى مزيد من التشظي والتيه لمكونات الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
في ضوء ما تقدم، المطلوب تغليب الحكمة والمنطق وإعادة الحسابات، وعلى من يعتقدون خيرًا في انتخابات تحت مظلة أوسلو أن ينفضوا أيديهم عنها، حتى وإن زعم البعض أنها لا تستظل بظله، بدلًا من اللهاث خلف تثبيت هذا الاتفاق المشؤوم، الذي أصبح كالبطة العرجاء.
وإن تقديم الانتخابات التشريعية والرئاسية على انتخابات المجلس الوطني كمن يضع العربة أمام الحصان، فالانتخابات المطلوبة التي تمثل الكل الفلسطيني وتصهره في بوتقة واحدة، هي انتخابات مجلس وطني تشارك فيها كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1948، وصولًا إلى برنامج وطني مشترك يستطيع النهوض بالقضية الفلسطينية والدفاع عنها ووقف القضم في ثوابتها، وعدا ذلك فهو سراب، فهل تعقلون؟!