فلسطين أون لاين

حل السلطة والخيارات المتاحة

توالت في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة (إسرائيل)، ردود الفعل الفلسطينية المطالبة بسحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بـ(إسرائيل)، وحل السلطة الفلسطينية، لكن تلك الدعوات لم تشِر إلى الآلية التي يمكن أن يتم بها سحب الاعتراف، أو تداعيات ذلك على القضية الفلسطينية، وما هي الخسائر التي يمكن أن تلحق بالشعب الفلسطيني؟ وكيف يمكن تفادي ذلك؟ وقبل كل شيء، إن كانت أجندة الرئيس محمود عباس تحتوي على مثل هذا الخيار.


سبق أن هدد مسؤولون فلسطينيون كثر بحل السلطة وإعلانها دولة تحت الاحتلال، ليس آخرهم الرئيس عباس نفسه الذي قال أمام القمة الإسلامية الطارئة التي عقدت في إسطنبول في منتصف ديسمبر الماضي بدعوة من الرئيس التركي رجب أردوغان: "إن استمرار (إسرائيل) بانتهاكاتها وممارساتها الاستعمارية خاصة في القدس، يجعلنا في حل من الاتفاقيات الموقعة معها، حيث لا يمكننا أن نبقى سلطة بدون سلطة، وتحت احتلال بلا كلفة، وهو ما يدعونا إلى إعادة تقييم الموقف من خلال أطرنا الفلسطينية والمشاورات مع الأشقاء والأصدقاء، من أجل التعامل مع حكومة دولة فلسطين التي ستقوم بمهامها كبديل عن السلطة الفلسطينية."


يبدو خيار حل السلطة أمرا بالغ التعقيد لعدة اعتبارات أهمها أن السلطة مرتبطة ماليا بالمنح والمساعدات الدولية التي جاء التزامها المالي دعمًا لمشروع أوسلو، إضافة إلى الضرائب التي تجبيها (إسرائيل) نيابة عن السلطة في الموانئ والمعابر وتسلمها للسلطة تبعا لذات المشروع.


هذه المعادلة ستخلق حالة انهيار اقتصادي واجتماعي غير مسبوقة في الأراضي الفلسطينية، لأنها ستخلف عشرات آلاف الأسر بلا مصدر دخل، عدا عن مخاطرها الأمنية والسياسية التي ستسهل على (إسرائيل) قضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية لصالح الاستيطان، وخلق وقائع على الأرض يصعب تجاهلها في أي حل مستقبلي، عوضا عن مخاطر استغلال (إسرائيل) هذا الفراغ لتنفيذ مخطط الترحيل القسري للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، إضافة لانهيار اقتصادي في قطاع غزة مضاعف لما هو قائم الآن، ومخاطر إعادة احتلال القطاع أو وضعه تحت الوصاية المصرية كما كان قبل عام 1967.


أيضا ثمة مخاطر من الإقدام على هذه الخطوة تتمثل في سيطرة (إسرائيل) على الأجهزة الأمنية والشرطية في الضفة الغربية وتحويلها إلى عصا أمنية لصالحها.

أضف إلى تلك مخاطر إعادة تكرار سيناريو حصار وقتل الرئيس الراحل ياسر عرفات، وإعادة استنساخ تجربة تمزيق (الضفة الغربية وقطاع غزة) بنسخة أسوأ من الواقع الحالي.


سيناريو حل السلطة أو سحب الاعتراف بـ(إسرائيل) يتطلب عدم الاندفاع في اتجاه ترك الأمور تنهار كبرج من ورق، بل لا بد من التدرج في الخطوات، التي ينبغي أن يسبقها وقف التنسيق الأمني مع (إسرائيل) وتخوين فاعله، يتبعها مباشرة تغيير العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، من عقيدة تدافع عن اتفاق أوسلو والتنسيق الأمني إلى عقيدة لحماية المشروع الوطني الفلسطيني ومقاومة الشعب الفلسطيني، ما يشكل عامل ضغط فعالًا على (إسرائيل) من شأنه أن يعيد ترتيب الأجندة في المنطقة من جديد.


وفي ذات الوقت لا بد لمنظمة التحرير أن تجد البيئة الملائمة لنشاطها وعملها لأنه لن يكون من السهل استيعاب وجود مقرها في معظم الدول العربية التي لها علاقة علنية أو سرية مع (إسرائيل)، أو تلك التي تخشى على مصالحها من العصا الأمريكية.


هذا الخيار لن يكون سهلا بالنسبة لمنظمة التحرير في ظل حالة الضعف والتفكك العربي واختلال موازين القوى في المنطقة التي تدور العديد من الأنظمة العربية فيها في فلك (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية.


ورغم الخطاب الحماسي الذي ألقاه عباس في القمة الطارئة في إسطنبول يقفز سؤال مهم "هل الرئيس جاد فيما ذهب إليه أم أن الأمر لا يعدو عن كونه بالونًا كبيرًا من الهواء؟".


حل السلطة أو سحب الاعتراف بـ "إسرائيل" أو وقف التنسيق الأمني وتغيير العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية لابد أن يسبقه قبل كل شيء توحيد الكل الفلسطيني وصولا إلى مصالحة حقيقية قائمة على رؤية سياسية واحدة موحدة في مواجهة المشروع الأمريكي والإسرائيلي الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية.


ثمة شكوك حتى الآن في توجه عباس في هذا الاتجاه، وهو ما يرجح كون خطابه الحماسي في إسطنبول لا يتجاوز حدود الفقاعات الكلامية، لاسيما وأنه لا يتبنى مطلقا مفهوم الكفاح المسلح، وأنه دوما يؤكد أن خياره المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات، حتى في إسطنبول لم يكن هدفه أكثر من البحث عن راعٍ جديد لعملية التسوية.


إضافة إلى ذلك فإن عباس لم يخطُ خطوة جدية باتجاه المصالحة التي كان الجميع يتوقع أن يسرع قرار ترامب في تحقيقها، وهذا يدفعنا إلى التساؤل حول جدية عباس في حل السلطة أو سحب الاعتراف بـ(إسرائيل)، الأمر الذي سيساعد الأخيرة على الاستمرار في سياستها المتنكرة لحقوق الشعب الفلسطيني، وهذا ما يجعل فكرة سحب الاعتراف بـ (إسرائيل) وحل السلطة تبدو بعيدة المنال.