وجدت عائلة محمد الكفارنة نفسها في العراء بعد أن اقتلعت رياح المنخفض الجوي الذي يضرب قطاع غزة خيمتهم في منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس، وتدمير المأوى المؤقت الذين نزحوا إليها في محاولة للبحث عن الأمان، وتجنب آثار العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ أكثر من عام.
زاد المنخفض الجوي والبرد والأمطار معاناة عائلة الكفارنة ومئات الآلاف من النازحين، خاصة مع عدم توفر إمكانيات لصيانة خيامهم التي مضى على إنشاؤها أكثر من عام، وعدم وجود أي شكل من اشكال الدعم من قبل مؤسسات الإغاثة الدولية.
وتفاقمت معاناة النازحين بسبب نقص الإمدادات الأساسية مثل الغذاء والماء والملابس الدافئة، في ظل هذه الظروف، حيث أصبح من الصعب على الأسر النازحة تأمين احتياجاتها اليومية، وتوفير التدفئة لهم.
يقول الكفارنة: "لم نعد نملك شيئًا يحمي أطفالنا من البرد القارس أو الأمطار الغزيرة.. نحن الآن في العراء، نحاول البقاء على قيد الحياة بأقل الإمكانيات، ومحاولة صيانة الخيمة بمجموعة من الأغطية لعدم توفر الشوادر والنايلون".
يضيف الكفارنة في حديثه لـ"فلسطين أون لاين": "الخيمة التي نزحنا إليها اهترأت مع الشمس خلال فصل الصيف ولم يتم تغييرها أو صيانتها، وجاء أول منخفض جوي وتطايرت أعمدتها وشوادرها الآن، وأصبحنا بالعراء لا نجد مكان ننام فيه".
واجتمع الجوع والبرد على عائلة الكفارنة أيضا التي نفذ الدقيق لديهم منذ أكثر كم شهر، وأصبحوا يعتمدوا على الطعام الذي تقدمه التكيات الخيرية بين فترة وأخرى.
في مخيم المجد في المواصي غرب المدينة، غرقت أيضا مئات من خيام النازحين بفعل هطول الأمطار بكثافة عليهم ووصلت إلى ملابس وأغطية أطفالهم.
يقول النازح من مدينة غزة إلى المواصي، محمود عمران: "مياه الأمطار أغرقت الخيمة والفراش والملابس، والآن لا يوجد إلا القليل من الملابس للأطفال، ونمنا ليلة صعبة وباردة جدًا بعد اقتلاع الرياح للخيمة التي كانت هي المكان الذي احتمينا فيه منذ عام".
يوضح عمران في حديثه لـ"فلسطين أون لاين"، أنه ذهب إلى مقرات عدد من المؤسسات الدولية في المواصي وطلب منهم توفير خيمة جديدة له وملابس لأطفاله بعد وصول الأمطار لها، ولكنه لم يجد أي استجابة من أحد.
لا يعرف عمران وعائلته كيف سيكملون حياتهم في النزوح بعد غرق خيمتهم واقتلاع الرياح لشادر والنايلون منها، مع تواصل الأمطار واشتداد برودة الأجواء، وزيادة الجوع وعدم توفر الدقيق.
يعيش مئات الآلاف من النازحين في مختلف مناطق قطاع غزة أوضاعا إنسانية صعبة مع دخول فصل الشتاء، فقد تسببت الأمطار بغرق 10 آلاف خيمة، في حين حذرت بلدية مدينة غزة من انتشار الأوبئة بسبب اكتظاظ النازحين ونقص الموارد.
وقال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل للجزيرة إن القطاع يشهد ظروفا مأساوية تزداد صعوبة مع سقوط الأمطار، فقد تعرضت 10 آلاف من خيام النازحين للغرق، بينما يهدد ارتفاع منسوب المياه في البرك باجتياح المياه للمنازل.
وأضاف بصل أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يمنع عمل المنظمات الإغاثية والمؤسسات الدولية بشكل كامل، كما يمنع إدخال مضخات شفط المياه وتزويد القطاع بغاز الطهي خصوصا في الشمال.
من جهته، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة، الاثنين، أن نحو 10 آلاف خيمة تؤوي نازحين تعرضت للتلف، وجرفتها أمواج البحر خلال اليومين الماضيين جراء منخفض جوي.
وجدد المكتب الإعلامي في بيان إطلاق "نداء استغاثة إنساني عاجل للمجتمع الدولي ولجميع دول العالم ولكل المنظمات الدولية والأممية، لإنقاذ مئات آلاف النازحين بقطاع غزة قبل فوات الأوان".
انتشار الأوبئة
في الأثناء، حذرت بلدية مدينة غزة من تفاقم الأمراض وانتشار الأوبئة مع دخول فصل الشتاء، بسبب الاكتظاظ الشديد للنازحين بالمدينة والقادمين من محافظة شمال غزة، بالإضافة إلى النقص الحاد في الموارد الأساسية والخدمات في ظل الإبادة الجماعية بغزة التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقالت في بيانها إنه مع دخول موسم الشتاء "تتفاقم الأزمات مع نقص الخدمات حول مخيمات ومراكز الإيواء، حيث تتزايد الحاجة للخدمات الأساسية المقدمة من البلدية، بما يشمل خدمات المياه والصرف الصحي"، محذرة من أن الوضع الحالي قد يؤدي إلى تفاقم الأمراض وانتشار الأوبئة.
وأضافت البلدية في البيان أن النزوح القسري بأعداد كبيرة لسكان محافظة شمال غزة إلى مدينة غزة ولجوء النازحين إلى الساحات العامة والمراكز الثقافية والترفيهية والتعليمية المدمرة أدى إلى تزايد الأعباء والضغط على خدمات المياه والصرف الصحي وجمع النفايات، مما فاقم من الأزمة الصحية والبيئية التي تعيشها المدينة.
وتابعت "النزوح القسري تسبب في تراكم النفايات بمستويات غير مسبوقة وارتفاع كبير في الطلب على المياه، مما جعل الوضع في غاية الصعوبة، خاصة في ظل الإمكانيات المحدودة والطواقم المرهقة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر".
وناشدت البلدية المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية التدخل العاجل لدعم جهودها وتوفير الإمكانيات اللازمة لتلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين، مؤكدة أن "الأوضاع تتطلب استجابة عاجلة لتجنب المزيد من التدهور في الصحة العامة والبيئة".
وفي الأسابيع الأخيرة، أجبرت القوات الإسرائيلية عشرات الآلاف من الفلسطينيين على النزوح قسرا من محافظة شمال قطاع غزة إلى مدينة غزة.
وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحا بريا لشمال قطاع غزة، بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة".
بينما يقول فلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجير سكانه، تحت وطأة قصف دموي متواصل وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.
وبدعم أميركي تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حربا على غزة، خلَّفت نحو 149 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.