فلسطين أون لاين

التطبيع يكشف ظهر "الأقصى" أمام المخاطر الإسرائيلية

تقرير في 2020.. أبرز (5) ملفات ضاعفت معاناة الفلسطينيين

...
صورة أرشيفية
غزة/ نور الدين صالح:

يمضي عام 2020 تاركًا خلفة إرثًا من الملفات والقضايا الثقيلة التي كان لها انعكاسات زادت من الأعباء الملقاة على كاهل الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة الذي تحاصره (إسرائيل) منذ 14 سنة على التوالي.

وفي هذا التقرير نستعرض أبرز 5 ملفات شغلت الساحة الفلسطينية وحملت في ثناياها تفاصيل كثيرة وقضايا ثانوية أرهقت كاهل الفلسطينيين الذين يتعرضون لمؤامرات من الصديق قبل العدو.

جائحة كورونا

كانت أولى القضايا التي برزت في هذا العام هي تفشي جائحة كورونا في كل دول العالم والتي كانت فلسطين جزءًا منها، حيث وصلت "كورونا" إلى قطاع غزة في شهر آذار/ مارس الماضي.

وفي منتصف شهر أغسطس/ آب تفشى الفيروس بين أفراد المجتمع وأخذ منحنى الإصابات يرتفع يومًا بعد آخر حتى وصل حاجز الـ1000 إصابة، وهو ما شكَّل عبئًا إضافية على وزارة الصحة التي تمر بأزمات عدَّة وأبرزها نقص المستلزمات والمعدات الطبية، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع.

ورغم الإمكانات القليلة التي تمتلكها وزارة الصحة بغزة، استطاعت مواجهة تفشي فيروس كورونا، عبر إعداد الخطط اللازمة للتعامل مع الجائحة منذ دخولها حتى يومنا هذا، وفق ما ذكر مدير دائرة التثقيف الصحي في الوزارة د. معين الكريري.

وأوضح الكريري في حديثه مع "فلسطين"، أن الوزارة عملت ضمن خطة مواجهة سريعة لكن الأزمة كانت أكبر نسبيًّا من القدرات المادية والبشرية لها، مشيرًا إلى أنها استطاعت توفير الإمكانات البشرية وتجهيز المستشفيات والتدريب وبعض الأدوية.

وبيَّن أن هذا الواقع شكَّل تحديًا كبيرًا لوزارة الصحة، لا سيَّما أن هذه التجربة الأولى لها في مواجهة وباء من هذا النوع، لافتًا إلى أنها عملت في بداية الأمر على تأخير دخول الفيروس للقطاع، مُستفيدة من التجارب الخارجية في هذا الجانب.

وقال الكريري: "لا ننكر جهود بعض المؤسسات المحلية والدولية الشريكة في تقديم المساعدات والدعم اللازم لمواجهة الوباء"، مشددًا على أن "قطاع غزة ما زال في عين العاصفة والتحدي قائم، بالتزامن مع المراهنة على وعي المواطن".

وأضاف: "ما زلنا في وضع حرج بسبب فيروس كورونا، لكن الأمور أقرب ما تكون تحت السيطرة حتى الآن، وذلك وفقًا للمتغيرات التي وضعتها وزارة الصحة على خطط الطوارئ حال زيادة أعداد الإصابات".

وبحسب الكريري، فإن الدراسة التي تعكف الوزارة على إجرائها عبر أخذ سحب عينات دم عشوائية من المواطنين، ستُعطى مؤشرًا مهمًّا حول ماهية وطبيعة الإصابات وأعدادها، منبهًا إلى أن نتائجها ستخدم في كيفية التعامل مع الفيروس في العام القادم، مع الحفاظ على بقاء الخدمات المقدمة للمرضى مستمرة.

الأسرى

وفيما يتعلق بملف الأسرى في سجون الاحتلال، فقد كان له نصيب الأسد خلال هذا العام عبر استمرار سياسة الإهمال الطبي ضد الأسرى وعدم توفير أدنى مقومات الحياة في السجون، حتى في ظل تفشي كورونا.

وأكد المدير العام نادي الأسير عبد العال العناني، أن حكومة الاحتلال واصلت حملات الاقتحامات والاعتقالات خلال العام الحالي رغم تفشي "كورونا"، حيث اعتقلت ما يزيد على 3300 أسير وأسيرة.

وذكر العناني لصحيفة "فلسطين"، أن سجون الاحتلال أصبحت مكتظة بالأسرى بدلًا من تخفيف الأعداد مع انتشار "كورونا" بينهم، وهو ما يُشكِّل خطرًا حقيقيًّا على حياة الأسرى.

وعد أن الاحتلال بات يستخدم كورونا "أداة قمع للأسرى"، لا سيَّما أنه لا يوفر أدنى مقومات السلامة، وهو ما دفع الأسرى لشراء مستلزمات الوقاية على نفقتهم الخاصة، لافتًا إلى أن عدد المصابين بكورونا وصل إلى 142 حالة، ولا يزال يهدد حياة آخرين في ظل استهتار إدارة السجون.

وطالب بضرورة أن تُشرف مؤسسات حقوقية ومنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر على العينات التي يتم سحبها من الأسرى والضغط على الاحتلال لعدم التكتم عن النتائج والإفصاح عما يجري في السجون.

وأفاد العناني بارتقاء 4 شهداء خلال هذا العام نتيجة سياسة الإهمال الطبي، وهو ما رفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى 226 شهيدًا، منهم 67 نتيجة الإهمال الطبي، لافتًا إلى أن قضية الأسرى تتعرض إلى هجمة إسرائيلية- أمريكية، انعكست على قرصنة أموال الأسرى والمحررين وعوائلهم.

وبيّن أن بعض البنوك تعرض لتهديدات من الاحتلال لعدم صرف رواتب الأسرى، الأمر الذي يستدعي حلًّا وطنيًّا لقطع الطريق على الاحتلال لتنفيذ وعيده، موضحًا أن السلطة قررت إنشاء بنك وطني خاص لتنفيذ كل المعاملات المالية الخاصة بالأسرى "ويجري العمل حاليًّا".

ووصف قرار السلطة بصرف رواتب 3 شهور للأسرى بـ"الحكيم" لقطع الطريق على الاحتلال من محاولات قرصنة أموال الأسرى والمحررين وعائلاتهم.

ولفت إلى أنه سيتم صرف راتب ديسمبر/ كانون الأول الجاري بداية يناير المقبل، في حين سيتم صرف رواتب شهر يناير بداية فبراير، وسيتم صرف رواتب شهر فبراير بداية مارس.

وشهد هذا العام وفق العناني، إعادة السماح بالتغذية القسرية ضد الأسرى المضربين عن الطعام.

مخاطر ضد الأقصى

لم يكن المسجد الأقصى ومدينة القدس بعيدًا عن الملفات الساخنة، فقد تعرض لجُملة من المخاطر خلال العام الحالي عبر سلسلة من الإجراءات العنصرية الرامية للسيطرة على المقدسات الإسلامية.

واستعرض رئيس مركز القدس الدولي د. حسن خاطر، أبرز الأحداث التي مرَّ بها الأقصى في 2020، فأكد أنه تعرض أساسًا إلى تجسيد سلطات الاحتلال للطقوس والعبادات التلمودية للمستوطنين خاصة في الجزء الشرقي من الأقصى.

وأوضح خاطر خلال حديثه مع "فلسطين"، أن هذا الإجراء جاء ترجمة لقرار دولة الاحتلال بحق المستوطنين في العبادة والتي جرى إقرارها في المحاكم الصهيونية قبل أكثر من عام.

وعد أن الظروف المُحيطة وخاصة التطبيع العربي مع الاحتلال ساهم في الإسراع إلى تنفيذ القرار وتحويل الأقصى إلى ما يُشبه "مقدسًا يهوديًّا"، عدا عن المخططات التهويدية التي شاركت فيها أطراف عربية مُطبعة.

ووصف هذه المسألة من المسائل "الخطرة" التي مرَّ بها الأقصى، إضافة إلى تهديدات "غير مسبوقة" من أطراف عربية، "وقد يشهد ذلك تطورات خطرة في المرحلة القادمة بأن يصبح الأقصى مقدسًا مشتركًا لجميع الديانات خاصة الإسلامية واليهودية"، وفق خاطر.

وفي سياق ذي صلة، بيَّن أن الاحتلال استغل جائحة كورونا في محاولة السيطرة على الأقصى من خلال فرض الإغلاق المتكرر عليه، وصولًا لفرض أمر واقع عليه، عادًّا أنه "نجح نسبيًّا، لكنه بقي مفتوحًا نتيجة إرادة المقدسيين وإصرارهم على الصلاة فيه".

كما تعرض مصلى باب الرحمة، وفق خاطر، إلى سلسلة من الانتهاكات، ضمن محاولات الاحتلال لفرض سيادته عليه، "لكنه لم ينجح بوضع اليد عليه ولا تحقيق أهدافه"، متوقعًا أن يستمر الصراع في المرحلة القادمة.

وأفاد باستمرار محاولات الاحتلال لوضع اليد على المقابر الإسلامية مثل اليوسفية وباب الرحمة، إضافة إلى اكتشاف حفريات أسفل ما يُسمى "نبع العذراء" الموجود شرق الأقصى.

وبحسب خاطر، فإن المتطرفين الصهاينة عادوا خلال هذا العام إلى عدوانهم ضد المقدسات الإسلامية، وذلك عبر محاولات إحراقها مثل كنيسة "ستنا مريم" شرق الأقصى قبل أسابيع، واستمرار الحفريات جنوب الأقصى، منبِّهًا إلى المحاولات المستمرة لتغيير السيادة على الأقصى.

وختم حديثه، أن وتيرة العدوان على الأقصى تصاعدت هذا العام بشكل ملموس بهدف محاولة فرض أمر واقع، عبر تكثيف الاقتحامات والتسلط، كاشفًا عن محاولات الاحتلال التدخل في التفاصيل الدقيقة لإدارة الأقصى، عدا عن إبعاد عدد من رموزه.

اللاجئون

من بين الملفات الشائكة أيضًا ملف "اللاجئين"، إذ أكد المدير العام للهيئة (302) للاجئين في لبنان علي هويدي، أن عام 2020 كان الأصعب والأقسى على اللاجئين، واصفًا إياه بـ"عام النفاق الدولي".

وذكر هويدي في حديثه مع "فلسطين" أنه جرى التصويت في عام 2019 على تمديد عمل "أونروا" لثلاث سنوات جديدة، على أساس تقديم الدعم السياسي والمالي لها، "وهذا لن يتحقق" وتُرك اللاجئون دون دعم مالي.

وقال: "كان يُفترض أن تأخذ الوكالة دورها بدعم اللاجئين في ظل تفشي كورونا، لكنها لم تحصل سوى على 38% من المبالغ التي طلبتها من الدول المانحة، وهو ما انعكس سلبًا على المخيمات اللاجئين في المناطق الخمس".

وبيَّن هويدي أن التطبيع العربي وخاصة من الإمارات انعكس على قضية اللاجئين، لا سيَّما أن الإمارات تترأس اللجنة الاستشارية لأونروا لمدة سنة، وهو ما يُشكِّل خطرًا حقيقيًّا.

أما المسألة الأهم وغير المسبوقة هذا العام، فهي التهديد القائم حول عدم قدرة "أونروا" على دفع رواتب موظفيها خلال شهري نوفمبر وديسمبر، لافتًا إلى أنها اقترضت 30 مليون دولار لدفع رواتب شهر نوفمبر، في حين أنها عانت عجزًا في صرف رواتب ديسمبر.

وأضاف أن "الأصعب هو قرض الـ 30 مليون دولار سيتم سداده لاحقًا، وهو ما يزيد الأعباء والأزمة المالية التي تعاني منها"، مشيرًا إلى أن الوكالة طلبت 18 مليون دولار لاستكمال المبلغ اللازم لدفع رواتب ديسمبر "وهذا لم يتوفر حتى الآن".

وتوقع أن تنسحب هذه الأزمة على عام 2021، في ظل وجود عجز مالي قيمته 70 مليون دولار ولا انفراجات مالية حتى اللحظة، منبّهًا إلى خطورة الحملة التي أطلقها ممثل الاحتلال الجديد في الأمم المتحدة تحت عنوان "أونروا ليس لها حق في الوجود".

وشدد على ضرورة "عدم التعويل على الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، لأن الاستهداف سياسي وليس ماليًا".

وختم حديثه بحث الفلسطينيين على ضرورة إتمام الوحدة وإنهاء الانقسام، من أجل مواجهة ما تتعرض له قضية اللاجئين، والخروج من المأزق المالي والسياسي.

المصالحة بلا أفق

أما القضية البارزة الأخيرة هي ملف المصالحة الذي لم يشهد حلًّا جذريًّا بين حركتي حماس وفتح حتى اللحظة رغم مرور عدّة سنوات وتوقيع اتفاقيات عدّة بينهما.

ورأى المحلل السياسي صلاح حميدة، أن عام 2020 شهد حراكًا كبيرًا في محاولة تقريب وجهات النظر والاتفاق على نقاط مشتركة بين حماس وفتح، عبر وضع الخلافات جانبًا.

وقال حميدة خلال حديثه مع "فلسطين": "بعدما وصلت الأمور لذروتها وكاد الشعب الفلسطيني أن يرى ضوءًا نهاية النفق، عادت الأمور نحو الانكفاء مجددًا، ووصلت المصالحة لنهايتها".

وبحسب قوله، فإن الحوار بين الطرفين، في ظل استمرار مسيرة التسوية والالتزام باتفاقية أوسلو بين السلطة والاحتلال، لن تجد طريقًا أو نتيجة إيجابية من شأنها تحقيق المصالحة.

وبيّن أن هذا العام كشف مجددًا بشكل جلي، أن حوارات المصالحة وصلت ذروتها، ولن تحصل إلا إذا تم التخلي عن أوسلو، منبّهًا إلى عودة التراشق الإعلامي الذي أعاد الأمور إلى بدايات الانقسام.

واستبعد حميدة أن تتم المصالحة في ظل استمرار تمسك قيادة السلطة باتفاقية أوسلو، والذهاب نحو شراكة سياسية حقيقية وخوض مشروع وطني جامع للفلسطينيين.

وتوّقع أن يُعيد رئيس الإدارة الأمريكية الجديد "بايدن" إحياء الاتصالات والمفاوضات بين السلطة والاحتلال، والتي لم تحقق مصالح الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من ربع قرن.