"كل واحد من أبنائي يعود للبيت يتناول طعامه على حدة لاضطرارنا للتأخر أنا وزوجي في العمل، وكثيرًا ما يحدث ألَّا تجمعنا مائدة طعام واحدة ولأيام عدة. في ذلك اليوم انتبهت أن ابني يعاني ضيق تنفس عندما جلسنا على مائدة العشاء، لاحظت أنه يمضغ طعامه بصعوبة، ويلهج بحدة وهو يبتلع الطعام.. سألته: "ما بك؟"، قال:" لا أدري، متعب قليلًا"، سألته: "منذ متى؟"، قال: "من بداية الأسبوع".
شعرت بتأنيب الضمير، فكيف لم أنتبه لذلك طوال الأيام الفائتة!".
********
- "لا توقظوني لأتناول معكم الإفطار، لن يكون لدي دوام وأريد أن أنام لوقت إضافي لأني مرهق".
-" أنا مشغول جدًّا، لن أستطيع مشاركتكم الغداء اليوم".
-" ماما، تناولوا أنتم الطعام، سأتأخر اليوم".
-" أنا لست جائعة، تناولت وجبة سريعة مع صديقاتي في الجامعة".
وتتكرر هذه الأعذار لتغيب الوالدين والأبناء عن مائدة الطعام، بغض النظر عن توقيت وجبة الطعام، لدرجة وصلت بها الأسر في هذه الأيام إلى ندرة هذه الاجتماعات الأسرية المهمة، التي تكاد تقتصر على يوم الجمعة أو العطل الرسمية والأعياد.
التحلُّق حول مائدة الطعام هي فرصة ثمينة لأفراد الأسرة لتحقيق الكثير من الفوائد، رغم قِصر المدة والتي قد لا تصل إلى نصف ساعة للوجبة، ولكن يمكن الاستفادة منها في إشعار الأبناء بأهميتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتزويدهم بالكثير من المهارات بشكل غير مباشر، فقط من خلال مشاركة الطعام والحديث.
ويقع واجب كبير على عاتق الأم في مسألة تجميع الأسرة على مائدة طعام واحدة، بدءًا بتنظيم وقت يناسب الجميع للجلوس معًا لتناول وجبة واحدة من الطعام على أقل تقدير يومًا، والإصرار على إبعاد كل ما من شأنه أن يقف حائلًا دون وجود تواصل حقيقي وفعال بين أفراد الأسرة خلال تناول الطعام مثل الانشغال بالموبايلات، أو مشاهدة التلفاز، أو فرض الصمت على أفراد الأسرة لوجود اعتقادات ومفاهيم خاطئة لدى بعض الآباء مثل: الادعاء بأن الحديث على المائدة يتنافى مع آداب الطعام، أو أن الحديث يتسبب في فقدان الاستمتاع بالطعام، أو يؤدي إلى تناول كميات أكبر أو أقل من المعتاد من الطعام، إلخ.
رغم أن اجتماع الأسرة على مائدة طعام واحدة باستمرار، والمشاركة في الحديث له فوائد كبيرة ومنها:
- ازدياد فرصة حصول كل فرد من أفراد الأسرة على طعام صحي متوازن بعيدًا عن كل ما يمكنه أن يسبب له الضرر مثل التهام الأطعمة الغنية بالسكريات والدهنيات والأصباغ ومضافات الأغذية وغيرها، على النقيض مما لو كل فرد قام بإعداد طعامه بنفسه، أو شرائه وتناوله على حدة.
- تحسين الصحة النفسية للأبناء عبر شعورهم بقرب علاقتهم مع الوالدين وحميميتها.
- اكتساب الأطفال لعادات الطعام الحسنة من خلال تقليدهم للوالدين والإخوة الكبار في تناولهم لنوعية طعام محددة.
- اكتساب الأطفال مهارات المائدة وآدابها عبر مجالسة الكبار ومشاركتهم الطعام.
- اكتساب الأطفال مهارات اللغة ومفرداتها من خلال مشاركتهم الحديث مع الكبار.
- تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر الثقافة بين الأبناء من خلال النقاشات الهادفة.
- زيادة فرصة اطلاع الوالدين على كل ما يخص حياة الأبناء من مشكلات يتعرضون لها خارج البيت مثل مشكلات المدرسة والأصدقاء والتنمر، إضافة إلى متابعة الآباء لأخبار المدرسة وأنشطة أبنائهم فيها.
- زيادة الروابط الأسرية، وتقارب العلاقات عند زيادة التفاعل بين أفراد الأسرة خلال الوجبة.
- الانتباه لأي مشكلات صحية يعانيها أحد أفراد الأسرة.
- خفض تكاليف الطعام، حيث إن إعداد الطعام في المنزل واجتماع جميع أفراد الأسرة لتناوله معًا، أوفر بكثير مما لو أن كل فرد من الأسرة ذهب لتناول طعانه على حدة في المطاعم أو اشترى وجبته الخاصة من خارج البيت.
فليجتمع أفراد الأسرة يوميًّا على مائدة الطعام، فليأكلوا ويتبادلوا الحديث والنقاشات وآخر الأخبار، وليستمعوا لبعضهم بآذان صاغية.. فقد تكون هذه الجلسات فرصة لا تعوض للحفاظ على صحة العائلة الجسدية والنفسية.