فلسطين أون لاين

"فلسطين" تحاور مدير بعثة "الصليب الأحمر" في القطاع

حوار غزة كما يراها "إجناسيو كسارس".. "الكثير من الجمال الكامن"

...
الزميل نبيل سنونو خلال حواره مع إجناسيو كسارس
غزة - نبيل سنونو:

على كرسيه تنساب كوفية تسللت منها رائحة التراث، تقودك إلى الاعتقاد بأنك دخلت منزلك للتو، لكنه ليس إلا مكتب إجناسيو كسارس الذي يمكث في غزة منذ 28 فبراير/شباط الماضي، حيث كانت الأنظار تنصب على هذا المكان الذي قيل إنه لن يكون صالحا للعيش في 2020.

لم تغفل ذاكرة كسارس ، مدير بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة، عن التقاط بعض الكلمات العربية التي استقبلنا بها بحفاوة، ومنها "عاليمين" التي قالها طالبا منا استباقه بدخول المكتب على اعتبار أننا على يمينه، ثم أتبعها بـ"شكرًا"، وتعمق في إثبات قربه من ضيوفه بقوله بالعربية: "أنا أحب غزة".

رسم كسارس على وجهه ابتسامات كثيرة، على شرف اليوم العالمي للعمل الإنساني الذي يحل اليوم، وهو جالس على كرسي بعيد عن مكتبه، معبرا بذلك عن "القرب" منا، كما يصفه.

لكن كسارس لا يستطيع "الشكوى" –كما يصف- من عدم تنقله وسفره طيلة هذه المدة على عكس ما اعتاد، لأن جائحة كورونا، التي يخلو منها القطاع بعكس دول العالم، هي سبب رئيس في ذلك.

بيد أن هذا ليس السبب الوحيد، "كعامل في منظمة انسانية دولية أجد من الصعب والمؤلم أن أتحدث عن الخروج من غزة أمام زملائي من القطاع الذين أدرك أن هذا بالنسبة لهم صعب، فالقيود كانت مفروضة من البداية على الحركة ولكنها ازدادت في فترة انتشار الفيروس"؛ مشيرًا بذلك إلى الحصار المفروض على غزة.

يتابع كسارس: "فضلت البقاء في غزة، وصحيح أن السبب كان فيروس كوفيد -19 لكن أيضًا هناك الكثير مما يجب فعله في غزة، ولم أرد المخاطرة بمغادرة القطاع ثم أجد نفسي عالقا خارجه (...) أنت تعرف في جميع أنحاء العالم القيود مفروضة على السفر".

قبل عيد الفطر كان يفترض أن يحظى كسارس بإجازة لأسبوع، لكنه قضاها في غزة.

هل يمكنك تخيُّل أن غزة التي أجمعت تقارير دولية على "عدم صلاحية العيش فيها في 2020"، هي الوحيدة الخالية من كورونا باستثناء الإصابات في مراكز الحجر الصحي؟ يجيب كسارس: "دعنا لا ننسى أننا في 2020"، مشيرا إلى أن غزة بقيت على قيد الحياة.

ولا ينسى كسارس الإشادة بـ"الدعم الإنساني الخارجي" لغزة، وتثمين "المجهودات الكبيرة التي تبذلها السلطات في قطاع غزة والإجراءات التي اتخذت وطبقت لمنع انتشار الفيروس في داخل القطاع".

ويؤكد الالتزام بهذه الإجراءات، قائلا: "نحن في اللجنة الدولية للصليب الأحمر احترمنا وطبقنا كل الإجراءات والنصائح التي صدرت من وزارات الصحة والداخلية والتنمية الاجتماعية وعلى تعاون مع السلطات في قطاع غزة".

ويضيف: "في الوقت الذي نتحدث فيه لنا ثلاثة زملاء موجودون في الحجر وآخران غادرا الحجر أخيرا، وانضما إلى طواقمنا. الفيروس لم يفرق بين الناس".

"رجل عادي"

كسارس الذي ينحدر من إسبانيا، يُعرّف نفسه بأنه "رجل عادي، أحاول القيام بمهامي بأفضل طريقة أستطيعها وبأمانة شديدة".

ولا يخفي أنه هو من اختار شغل وظيفة مدير بعثة "اللجنة الدولية " في غزة، بقوله: "أنا من تقدم لهذا الموقع، وحينما تمت الموافقة على طلبي كنت سعيدا جدا، لكن أمي لم تكن راضية لما تنقله وسائل الإعلام أو الانطباعات حول غزة في العالم حيث تأتي إلى الأذهان الحرب والإغلاق".

لكن –والكلام لا يزال لكسارس - في مجال العمل الإنساني "وظيفتنا أن نكون في جوار الناس المتأثرين، ونقف إلى جانبهم".

عن انطباعه حينما دخل غزة للمرة الأولى يقول: "حدث ذلك قبل ثلاث سنوات، وكانت مازالت الصورة الماثلة أمامي هي الدمار، لكن حينما خبرت زوايا غزة وكل منطقة فيها تغيرت هذه الفكرة".

يواصل حديثه: "أنا أستطيع أن أذهب إلى الشاطئ الجميل والميناء. (...) أحب شاطئ الشمال، والشاطئ في الوسطى القريب من الزوايدة، إلى أن تصل إلى خانيونس، وخلف الدمار الذي رأيته للمرة الأولى هناك الكثير من الجمال الكامن في غزة".

هل ستطلب تمديد توليك هذا المنصب في غزة؟ يرد كسارس: إذا كان الحديث عن رغبتي نعم، لكن هناك الكثير من الإجراءات الإدارية التي أحترمها في المنظمة ولا أستطيع القول الآن سأفعل ذلك أم لا.

لكنه يبدي ارتياحا عميقا في غزة فضلا عن شعوره بأنه آمن. "أنا قادم من إحدى دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وأشعر بالارتياح الشديد مع الفلسطينيين في غزة الذين هم يعيشون في قطاع ساحلي".

ترتبط غزة في ذاكرة كسارس بمدينته "فيرول" الصعيرة الساحلية في إسبانيا، وعن ذلك يقول: عائلتي بحّارة، وبالتالي المرور إلى جانب الشاطئ والذهاب إلى سوق السمك والاستمتاع برائحته يرتبط بذاكرتي ببلدي الأم.

لذلك يمارس هوايته كما هي، يمشي في ميناء غزة أسبوعيا، ويزور المخيمات، وإلى الأراضي المحاذية للسياج الفاصل "للاستمتاع بصحبة المزارعين هناك".

ولن ينسى كسارس "ذكرى حميمة وعزيزة على قلبه"، يصفها بأنها "مصدر إلهام ليس فقط لي بل لكل الزملاء".

يقول: ذلك كحضور مباريات كرة القدم لذوي البتر من سن ستة إلى 16 عاما، وهم يلعبون، يجولون، ويصولون بالملاعب بالعكازات المساعدة والأجهزة، يلعبون مثلي ومثلك، سيبقى في ذهني فترة طويلة؛ دون أن يغفل عن التعبير عن فخره لكونه "مشجعا لريال مدريد".

يعود كسارس إلى مناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني قائلا: إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنشئت قبل 150 عاما، ووجودنا هنا منذ أكثر من 50 عاما، هذا اليوم العالمي هو مناسبة للاحتفال والتأكيد أيضًا على أهمية العمل الإنساني.

وتركز اللجنة –وفق كسارس - أنشطتها الآن على الاستجابة لمتطلبات مواجهة كورونا، لافتا في الوقت نفسه إلى أن الأوضاع الإنسانية صعبة للغاية في قطاع غزة، حيث ارتفاع نسب البطالة والفقر بين الشباب.

ولم ينفك كسارس عن التعبير باعتزازه بالكوفية الفلسطينية التي أهداه إياها راع من خانيونس.