فلسطين أون لاين

د . رمضان.. الداعية.. المفكر.. السياسي (2)

- المفكر والأديب:

تميز د. رمضان بالعمق الفكري وسعة الاطلاع والخوض في قضايا العالم عامة والأمة العربية والإسلامية المعاصرة خاصة، هو القارئ الذي لم يشغله شيء عن القراءة بالرغم من زحمة العمل الحركي والتنظيمي والمثقف حتى النخاع، والكاتب الأديب، والشاعر الذي كتب قصيدته "الفجر والرحيل" في عام 1980م، ونقتطف منها الآتي:

آه يا غزة..

ما كنت لأسكن مدن رماد

أو أقطن للذل توابيتا

في كهف أُوصد فيه الباب

فحقائب سفري يملؤها الزاد

قبلًا قطفت من شفتيك

من بين مروج العنّاب

سأعود إليك

يا زينة مدن الصحو

سأعود إليك كطفل

يحبو فوق دروب الواقع

يملؤها شوك نبت بموضع قدمي يوم رحيلي

سأعود كنجمة صبح

تلمع فوق أزقة وطني

تسقط منها دمعة شوق

تحمل عطرًا عاد لوطن النرجس

يصافح كل مروجك وطني

يقول لكل مصافح

ما أنت رخيص يا وطني

لأشطب من بوتقة الغربة كلمة راجع

وأيضًا ترى ذلك واضحًا في كلماته التي كان يكتبها في عموده اليومي "مرايا" الذي تنشره جريدة الاستقلال، كان متابعًا يقرأ بنهم كل ما يصدره المثقفون والمفكرون والشعراء، ويردد ما أنشده الشعراء الكبار مثل المتنبي والفرزدق وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ومغرمًا بشعر محمود درويش، كان يردد قصيدته "تضيق بنا الأرض"، وتحليلي أن د. رمضان اقتبس عنوان مقالته في الاستقلال "مرايا" من تلك القصيدة التي تتكرر فيها كلمة "مرايا" أكثر من مرة، وقرأ للشاعرة فدوى طوقان والشاعر أنيس القاسم، والشاعر نزار قباني في مرحلته الشعرية الأخيرة، وشعراء غربيين ويهود، وقرأ كتابات غسان كنفاني وإميل حبيبي، وكان يقتبس في خطاباته ولقاءاته من رواياتهما.

ينقل الكاتب المفكر المصري د. رفعت سيد أحمد عن الشاعر محمود درويش "أنه عندما طلبت إدارة تحرير جريدة الاستقلال منه حوارًا، قال لهم: "موافق، وشرطي الوحيد أن الذي يحاورني كاتب عمود مرايا عندكم"، وهو د. رمضان الذي كان يوقع مقاله باسم محمد الفاتح"، وقال عنه إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني العالمي الكبير: "إنه رجل من خارج الزمان والمكان"، إنه المحاضر الرزين والعميق الذي لديه الدراية بكل ما يحتاج له المفكر، ووظف فكره وثقافته من أجل قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وكان ذلك واضحًا في كتاباته (على قلتها) ولقاءاته الفكرية والندوات الثقافية، هذه القدرات الفكرية لدى الدكتور رمضان كانت واضحة تمامًا في المؤتمرات والندوات والمحاضرات التي ألقاها في مراكز الدراسات الإستراتيجية في بريطانيا وأمريكا، وكثير من الدول العربية والإسلامية، وأيضًا في لقاءاته عبر وسائل الإعلام وحواراته مع المثقفين والمفكرين التي كانت تستمر ساعات طويلة، ويشهد على ذلك لقاءاته الخاصة مع الكاتب المفكر الفلسطيني الأستاذ منير شفيق.

 وكان يُشرف على كثير من النشرات والإصدارات قبل أن يكون أمينًا عامًّا لحركة الجهاد الإسلامي، مع الدكتور فتحي وغيره من مفكري الحركة، بداية من مجلة الطليعة الإسلامية (التي كانت معظم مواضيعها تكتب في غزة وتصدر من لندن ويُعاد طباعتها وتوزيعها في غزة والضفة والقدس والـ٤٨ من جديد في بداية الثمانينيات) ومجلة الإسلام والعالم التي كانت تصدر من لندن في التسعينيات، وكان له عمود خاص تحت عنوان "مرايا" باسم محمد الفاتح في جريدة الاستقلال التي تصدر من غزة، وقد أشرف على تأسيس مركز الإسلام والعالم ومعه الدكتور سامي العريان والدكتور مازن النجار ونخبة من مفكري العالم العربي والإسلامي، مثل الدكتور محمد عمارة ومحمد سليم العوا وطه العلواني في أمريكا، وقد أصدر مجلة فصلية تحت عنوان (دراسات سياسية)، كانت لديه فلسفته الخاصة في عرض أفكاره، لذا ما نشره من دراسات خاصة به قد تكون قليلة أمام ما يمتلكه من سعة اطلاع وعمق فكري غزير، ومن كتاباته النادرة (الإسلام والغرب - الصراع على فلسطين) و(بدر الكبرى)، وهناك عشرات الدراسات لم ينشرها كما أخبرني بعض الإخوة، لكنه يمتلك قدرة فائقة على تقديم ذلك المكنون الفكري عبر محاضرات وندوات ومؤتمرات عالمية وإقليمية.

 وأقتبس ما قاله د. عبد الستار قاسم في لقاء مع جريدة الاستقلال: "إن الساحة الفلسطينية منذ ما قبل النكبة وما بعدها لم تشهد مفكرًا متقدمًا ومنظمًا، ويحمل رؤية واضحة للحالة الفلسطينية، ويقيس خطواته العملية بعلاقاته الداخلية والخارجية، مبتعدًا عن الشعارات الفارغة والخطابات الرنانة؛ مثل الدكتور رمضان شلح".

 قدراته الفكرية العالية مع شهاداته الأكاديمية التي حصل عليها أهّلته ليكون أستاذًا أكاديميًّا في جامعة جنوب فلوريدا، وهو الذي حملته قناعاته الفكرية والهمّ الفلسطيني على أن يحزم أمتعته وهو في أوج عطائه الأكاديمي والحياة المرفهة أستاذًا جامعيًّا في جامعات أمريكا، ويعقد النية بالعودة إلى فلسطين، لولا قدر الله بأن يستشهد الدكتور فتحي على يد عصابات الموساد الصهيونية في مالطا، في لحظات عروجه على دمشق ليرتبا معًا إدارة العمل الحركي الذي كان سيتولاه د. رمضان في فلسطين، ولكن أجمع مجلس شورى الحركة حينها على انتخاب د. رمضان ليكون أمينًا عامًّا خلفًا للدكتور الشهيد فتحي الشقاقي (رحمه الله).

 وقد اختصر الأسس والأطروحات الفكرية التي تقدمت وتميزت بها حركة الجهاد الإسلامي بكتابته الوثيقة الفكرية والسياسية التي بدأ كتابتها عام ٢٠٠٦م، وتميزت بدقة متناهية جعلته حريصًا على ألّا تصدر إلّا وقد استوفت شروطها كاملة وأقعده مرض الموت عام ٢٠١٨م، وكأنه يشعر بقرب الأجل وعظم الأمانة التي حملها طوال اثنين وعشرين عامًا من العطاء غير المتناهي.