لم يستوعب قادة الاحتلال الدرس بعدْ، منذ ثلاثة وسبعين عامًا والفلسطينيون حاضرون وهم في حالة مواجهة مستمرة لم تنثنِ عزيمتهم ولم يرفعوا الراية البيضاء ولم يتنازلوا عن حقهم، ومن تنازل منهم عن حقه -في الحقيقة لا يُمثّلهم- كما لم يتوقف لديهم نبض المقاومة. ثلاثة وسبعون عاما وهم يصرخون في وجه العالم ويرددون: (حقوقنا، حريتنا، عودتنا) متلازمة ثلاثيةٌ لم تُغادرهم على مدار العقود السابقة وأدرك القاصي والداني حيوية هذا الشعب وصموده وتحديه، لكن يبدو انها الحقيقة التي تحدث عنها الكثير من المفكرين، أنَّ الغرب جلب اليهود(وقد نبذتهم كل المجتمعات البشرية التي عاشوا فيها على مدار التاريخ بما فيهم المجتمعات الغربية لإفسادهم وشرورهم) ودكّهم إسفينًا في قلب العالم العربي والإسلامي لتكريس مطامعه الاستعمارية واستمرار الهيمنة على مقدرات الشعوب وثرواتها وتجزئتها لأنه بعد الحربين الكونيتين الأولى والثانية لا يريد ان يخسر أكثر مما خسره، فهو يمد دولة الاحتلال بأقصى ما تحتاج إليه من مال وعتاد ودعم لوجستي ومعنوي وسياسي حتى يُبقيها قوية تناطح عنه وتحفظ له مصالحه ومشاريعه في منطقة ذات موقع استراتيجي وغنية بثرواتها ومقدراتها لكنّها اُبتليت بحُكّامٍ إمّا جهلة أو عملاء وشعوبها مغلوبٌ على أمرها.
ألم يُدرك هذا اليهودي بعد أنهم أحضروه على أرض لها مُلّاك حقيقيون، جُزءٌ منهم هُجّر قصرًا نتيجة جرائم فظيعة ارتكبتها العصابات الصهيونية ضده بدعم الغرب وعمالة الانظمة العربية الحاكمة آنذاك فيما الجزء الآخر لا يزال حاضرًا متجذرًا في أرضه وبالرغم من المعاناة والمآسي التي عاشها وبالرغم من كل الجرائم الإنسانية المختلفة التي ارتُكبت ضده إلّا أنه لا يزال صامدًا قويًا يتحدى آلة البطش والدمار الصهيونية فإذا قتلوا أبناءه ازدادوا عددا أضعافًا مضاعفة واذا جوّعوه عاش على القليل واذا دمّروا بيته بناه أجمل بكثيرٍ مما كان عليه من قبل واذا سرقوا أرضه لم ينم ليله او يقر نهاره وهو دائم الاشتباك واذا اعتقلوه خرج من السجون قائد ثورة واذا حاولوا كي وعيه وأدلجته وإغراقه في الملذات والشهوات خرج أبناء اللد والرملة ويافا وحيفا والناصرة ومعهم جيل اوسلو في القدس والضفة وغزة أكثر شراسة في مواجهته، فيما الديموغرافيا ليس في صالح الاحتلال البتّه وقد ازداد الفلسطينيون أضعافًا مضاعفة عمّا كانوا عليه من قبل وكل المعطيات تؤكد أن المستقبل ليس في صالحه خصوصًا أن الشعب الفلسطيني أصبح لديه مقاومة قوية في رجالها ومتطورة في امكاناتها، فأصبح الشعب الفلسطيني أمام العالم كله يمتلك قوتين أولاهما قوة المنطق أنه الضحية الذى احتلت أرضُه ولا يزال يُعانى فيما المجرم الحقيقي الذى يقتل ويبطش ويحاصر هو الاحتلال الصهيوني وثانيهما منطق القوة بهذه الإرادة والإمكانيات التي لم تكن من قبل، ولم تعُد أمريكا ولا كل الحلفاء لدولة الاحتلال حتى الأنظمة التي طبّعت معه قادرين على حمايته من ضربات المقاومة ولا أن يمدوه بمزيد من الحياة الآمنة والمستقرة على أرضٍ اغتصبها وهجَّر أكثر من نصف أهلها، وضعه السياسي مرتبك ومتخبط لم يستطع تشكيل حكومة بعد اعادة الانتخابات أربع مرات وذاهب إلى الخامسة وهذا لم يحدث في تاريخ (دولة) الاحتلال، ووضعه الاجتماعي مُفَكك ويسير نحو الهاوية والصراعات قائمه بين مكوناته العقائدية والاثنية والمجتمعية، ووضعه الاقتصادي يتراجع وقد كشفت هشاشته أزمة كورونا لولا الدعم الخارجي وقد دخل على خط الدعم أنظمة عربية مُطبّعة كالإمارات، ووضعه العسكري لم يستطع حمايته وقد تراجعت قوة الردع لديه وهل هناك دليل أوضح من معركة "سيف القدس" وقد أبدعت المقاومة الفلسطينية في ضرب الكيان على أقصى بقعة يحتلها من فلسطين وقصف منشآت هامة لديه فيما جيشه ليس أمامه من أهداف سوى المباني السكنية يدمرها على رؤوس الاطفال والنساء والعجائز دليل العجز والضعف والإرباك وهذا لا يحسم معركة كما يؤكده خبراء العسكرية، كما ان الجيش الصهيوني لم يعد هو من يملك زمام البدء بالمعركة لأن الذى حدد وقت المعركة الأخيرة صاحب الساعة السادسة (المقاومة) مساء يوم الاثنين ٢٨ رمضان ١٤٤٢هجرى في اللحظة التي أراد عشرات الالاف من قطعان المستوطنين اقتحام ساحات المسجد الاقصى بحماية الجيش الصهيوني.
وبكلماتٍ لا لُبسَ فيها لم تعد فلسطين أرض اللبن والعسل كما أوهموه، فبقاؤه يعنى دماره، ولم يبقَ أمام اليهودي المغتصب إلّا إحدى خيارين إما الرحيل والنجاة بروحه وأهله وإمّا البقاء ومواجهة مصيره، إنها الحقيقة القرآنية التي يحفظها المؤمنون الصادقون (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) والسنّة التاريخية التي يُدركها القارئون والباحثون أن زوال هذا الكيان بات قاب قوسين أو أدنى .