في وقت تبحث فيه قوى المقاومة والحركات الشعبية الفلسطينية عن مسارات فعل تواجه بها صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، تطرح حملة الفجر العظيم نفسها كمسار عملي مركزي لمواجهة الصفقة، أفرزتها الجماهير وتبنتها، لتأخذ إضافة إلى بعدها الديني بعدًا سياسيًّا تقلب الطاولة على مخططات الاحتلال بالتقسيم الزماني والمكاني أو بمحاولة إيجاد موطئ قدم بالأقصى.
وتعيد حملة الفجر العظيم تواصل الجماهير مع المسجد الأقصى وتفشل مخططات عمل الاحتلال على تنفيذها على مدار 20 عاما، وتؤكد أن القدس العربية الفلسطينية، خاضعة للاحتلال وأنها عاصمة فلسطين، وترفع مستوى الوعي بالمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية وتفشل الحملة بامتدادها الخارجي الرهان على التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
يقول الكاتب والباحث المقدسي زياد الحسن: إن حملة الفجر العظيم تقلب الطاولة على مخططات الاحتلال، مشيرا إلى أنه منذ عام 2000 ومسار عزل الأقصى عن المصلين يمضي كأحد المكونات الأساسية لمخطط تقسيمه، إذ عمل الاحتلال على عزل الأقصى عن الحضور الإسلامي الكثيف كي يصبح تقسيمه ممكنا زمانا ومكانا.
ويضيف الحسن لصحيفة "فلسطين"، أن مشكلة الاحتلال الأساسية مع هذه الحملة أنها تعيد تواصل الجماهير مع المسجد الأقصى بعد 20 سنة من محاولات عزله المتتالية.
ويلفت إلى أنه منذ اقتحام رئيس حكومة الاحتلال الأسبق أرئيل شارون للمسجد الأقصى سنة 2000 صعدت محاولات تهويده إلى الواجهة، ومع تكثيف اقتحامات الاحتلال للأقصى على الأرض في يونيو/حزيران 2003، بدأ طرح التقسيم كخطة مرحلية لإيجاد موطئ قدم للمستوطنين فيه، ولم يكن من الممكن لهذا التقسيم أن يمضي إلى الأمام في ظل الحضور الإسلامي البشري الكبير في الأقصى.
ومضت تلك السياسة، تبعًا لكلام الحسن، بشكل تدريجي بعزل أبناء قطاع غزة ومنعهم من الوصول للأقصى منذ 2000، وعزل أبناء الضفة الغربية مع اكتمال مقاطع جدار الفصل العنصري وتوسيع الحواجز ومحاولة تحويلها إلى "معابر دولية" بدءًا من 2003، أما أبناء الأرض المحتلة سنة 1948 فعزلهم الاحتلال بعد تجريم مؤسسات الرباط وحظر الحركة الإسلامية في نهاية 2015.
إلا أن كل هذا المسعى والتخطيط على مدى 20 عاما تبدده حملة الفجر العظيم، فهي تعلن الإصرار على رفض تصفية الحق الفلسطيني الكامل في الأقصى بالقدس المحتلة وفي الحرم الإبراهيمي الخليل وإن طال الزمن وعظمت التضحيات، وهي بذلك تعيد مخططات التقسيم الزماني والمكاني إلى نقطة الصفر، بإعادة التدفق البشري الكثيف إلى الأقصى، وتهدد بإنهاء الاستثناء المؤقت الذي حصل عند تقسيم المسجد الإبراهيمي بالطريقة ذاتها؛ وفق قوله.
وفي وقت جاءت فيه صفقة ترامب، والكلام للحسن، لتقول إن الحق الفلسطيني انتهى ولم يعد من المجدي الدفاع عنه، ولا بد من التسليم بالمخطط الإسرائيلي الأمريكي، فإن حملة الفجر العظيم جاءت لتعبر عن إرادة الرفض، وعن التمسك بالحق، وتفشل الرهان على اليأس.
ويتابع بأن حملة الفجر العظيم إذا ما تواصلت وعظمت لتخرج بالجماهير من جاكرتا وكوالالمبور إلى الرباط مرورا بالكويت وإسطنبول وعمان وغيرها من المدن والعواصم، فإنها ستفشل رهان التطبيع، في وقت تتزامن فيه صفقة ترامب مع حملة تطبيع وتراجع عربي رسمي واسع، في محاولة لجعل القضية الفلسطينية محلية وإخراجها من بعدها العربي.
وعي بالمخاطر المحدقة
ومن وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات، فإن حملة الفجر العظيم جاءت ردًّا على صفقة "ترامب" بعد أن أصبح المسجد الأقصى في دائرة الاستهداف، خاصة في بند من الصفقة يفتح الباب أمام المستوطنين والمحتلين ومن لف لفهم بانتهاك حرمة الأقصى.
ويضيف عبيدات لصحيفة "فلسطين" أن صفقة "ترامب" بالبند السابق تتجاوز وتخالف كل قرارات الأمم المتحدة التي نصت على أن المسجد الأقصى ملك للمسلمين وكذلك منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، ما دفع مساجد نابلس والخليل خاصة بالحرم الإبراهيمي لإطلاق حملة الفجر العظيم التي امتدت إلى الأقصى ومدن فلسطينية عديدة وعربية في الأردن والكويت.
ويتابع، بأن حملة الفجر "العظيم" أخذت بعدًا سياسيًّا متمثلًا برفع أهمية الوعي في المجتمع الفلسطيني تحديدًا في مدينة القدس بالمخاطر المحدقة بالقدس والأقصى، حيث يسعى الاحتلال لفرض تقسيم زماني ومكاني.
ويعتقد عبيدات أنه من خلال الحملة تزايدت أعداد من يؤدون صلاة الفجر جماعة من كل المدن الفلسطينية، ما يكسبها بعدًا سياسيًّا آخر بالحفاظ على المدينة بصفتها عاصمة دولة فلسطين والتأكيد أنها ما زالت تحت احتلال وبالتالي واجب كل أبناء الشعب الفلسطيني دعم سكان المدينة والحفاظ على الأقصى، ومواجهة كل مخططات الاحتلال في التقسيم، التي منها محاولته أن يكون له موطئ قدم بالأقصى عبر السيطرة على باب الرحمة.
وتؤكد هذه الحملة كذلك، وفق عبيدات، أن القدس عربية إسلامية وأنه مهما اتخذت (إسرائيل) كل الإجراءات ووضعت المشاريع التهويدية فلن تغير من واقع المدينة وعروبتها وإسلاميتها.
ويتابع بأن الجانب المهم في هذه الحملة أنها جاءت في وقت يسعى الاحتلال فيه لتهويد البلدة القديمة والاستفراد بالمسجد الأقصى والتخلص من الفلسطينيين، مبينًا أن الاحتلال ينظر بخطورة لمثل هذه الحملات.
وهذا يفسره، تبعًا لكلام عبيدات، حملات الملاحقة "المجنونة" التي يشنها الاحتلال ضد المصلين في صلاة الفجر، والتضييق عليهم ومنعهم من الوصول، مشيرا إلى أن هناك نحو 105 عمليات إبعاد جرت العام الماضي.